بقتله ، تولى أبو حنيفة نفسه مهمة الإشراف على ضرب اللِّبن وعدّه في بناء مدينة بغداد بأمر المنصور العباسي (١).
ولا شكّ أنّه كان كارهاً لذلك ، ولكنه اتقى من بطش المنصور في هذه الوظيفة التي كُلِّف بها من قبل المنصور نفسه الذي كان على علم بموقفه من ثورة إبراهيم بن عبدالله ، فحاول أن يجد مبرراً لقتله في هذه المهمة ، ولكن أبا حنيفة أدرك ذلك منه فاتقاه في قبول ذلك العمل.
ومن تقيته الفعلية مع المنصور أيضاً ما رواه الخطيب في تاريخه من أن أبا حنيفة قبل قضاء الرصافة في آخر أيامه بعد الضغط الشديد عليه بحيث لم يجد بداً من ذلك.
وقد أيّد هذا ابن خلكان أيضاً ، فذكر أن المنصور لمّا أتم بناء مدينة بغداد أرسل إلى أبي حنيفة ، وعرض عليه قضاء الرصافة فأبى ، فقال المنصور : إن لم تفعل ضربتك بالسياط ! قال أبو حنيفة : أو تفعل ؟
قال : نعم.
فقعد أبو حنيفة في القضاء يومين ، فلم يأته أحد ، فلما مضى يومان اشتكى أبو حنيفة ستة أيام ثم مات (٢).
ويدل على تقيته من الامويين ما قاله الذهبي في ميزان الاعتدال ، قال :
____________
(١) تاريخ الطبري ١ : ١٥٥ في حوادث سنة ١٤٥ هـ. وأحكام القرآن / الجصاص ١ : ٧٠ ـ ٧١ في تفسير الآية ١٢٤ من سورة البقرة.
(٢) تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ١٣ : ٣٢٩. ووفيات الأعيان / ابن خلكان ٥ : ٤٧ ، دار صادر ، بيروت / ١٣٩٨ هـ.