قال السرخسي الحنفي في معرض حديثه عن تقية عمار بن ياسر باظهار كلمة الكفر بعد الاكراه عليها مع اطمئنان قلبه بالايمان : (إلّا أن هذا النوع من التقيّة يجوز لغير الأنبياء والرسل عليهمالسلام ، فأما في حق المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين فما كان يجوز ذلك فيما يرجع إلى أصل الدعوة إلى الدين الحق) (١).
ويفهم من كلامه جواز التقيّة على الأنبياء والمرسلين فيما لا يمس أصل دعوتهم ، أما إنكارها ، أو كتمانها عن الخلق ، أو تكذيب أنفسهم ونحو هذا فهو مما لا يجوز عليهم.
إنّ كل شيء لا يعلمه البشر على واقعه إلّا من جهة المعصوم عليهالسلام نبياً كان أو إماماً لا تجوز التقيّة فيه على المعصوم ، وأما ما يجوز له فيه التقيّة فهو كل مالا يتنافى ومقام التبليغ والتعليم والهداية إلى الحق حتى ولو انحصر وصول الحق إلى طائفة دون اُخرى ، كما لو اتقى المعصوم عليهالسلام في ظرف خاص من شرار الناس تأليفاً لقلوبهم كما سيأتيك مثاله في صحيح البخاري ونحو هذا من المصالح العائدة إلى نفس المعصوم أو دعوته ، وبشرط أن يبين وجه الحق لأهل بيته ، أو لمن يثق به من أصحابه ، أو على أقل تقدير لمن لا يخشى من مغبة مفاتحته بالحقيقة ؛ لكي لا يكون ما
____________
(١) المبسوط / السرخسي ٢٤ : ٢٥ ، ثمّ شتم الشيعة لتجويزهم ـ فيما يزعم ـ التقية على الأنبياء فيما يرجع إلى أصل دعوتهم !! وقد افترى على الشيعة في هذا ؛ إذ لم يجوّز ذلك أحد منهم ، بل جوّزه ابن قتيبة الدينوري على ما سيأتي قريباً مع مناقشته.