الثاني : دلالة هذه المكيدة على غباء أصحابها ؛ لأنّها بمثابة الطلب من الشيعة ترك العمل بأخبار العامّة ؛ لأن خبر التقيّة في أدق وصف له إنّما هو خبر عامّي فرضته السياسة الجائرة على لسان أهل البيت عليهمالسلام ، ولا ينبغي لعامي فَهِم عاقل أن يتقدم بمثل هذا الطلب إلى الشيعة ؛ لأنّه سالب بانتفاء موضوعه.
إنّ حكم القضاة بخلاف ما أنزل الله تعالى في كتابه العزيز ، له صور متعددة ، منها : أن يكون حكم القاضي موجباً لقتل مسلم بريء ، فهنا لايجوز الحكم بحال والتقيّة فيه حرام بلا كلام.
ومنها : أن يدفع القاضي بحكمه المخالف للحق ضرراً عن نفسه فيوقعه ظلماً بالآخرين ، وهذا الحكم باطل أيضاً ولا تجوز التقيّة فيه ؛ لعدم جواز دفع الضرر عن النفس بالحاقه بالغير.
وبالجملة ، فإنّ الافتاء والقضاء المخالف لما أنزل الله عزَّ وجل خطير جداً ، وقد وصف سبحانه من يحكم بغير ما أنزل الله ، تارة بالكافرين ، وأُخرى بالظالمين ، وثالثة بالفاسقين (١).
لا ينبغي الشك في حرمة استخدام التقيّة المؤدية إلى فساد الدين أو المجتمع ، كما لو كانت سبباً في هدم الإسلام ، أو النيل من مفاهيمه وأحكامه المقدسة ، أو محو بعض آثاره.
____________
(١) راجع سورة المائدة : ٥ / الآيات ٤٤ و ٥٠ و ٥٢.