وقد كان مالك بن أنس يقول لأهل المدينة في شأن بيعتهم للطاغية المنصور العباسي : إنكم بايعتم مكرهين ، وليس على مكره يمين (١) يحثهم بهذه الفتيا على الخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن الحسن للثورة على المنصور.
أفتى القرطبي المالكي بجواز التقيّة في شرب الخمر (٢) وقالت الحنفية : تجوز التقيّة إذا كان الاقدام على الفعل أولى من الترك ، وقد تجب إذا صار بالترك آثماً ، كما لو أُكرِه على أكل لحم الميتة أو أكل لحم الخنزير ، أو شرب الخمرة (٣) وهذه المحرمات المذكورة تجوز كلّها إن كان المتقي باتيانها مكرهاً عليها بغير القتل ، وأما لو كان الاكراه عليها بالقتل ، فقد صرّح الشافعية بوجوبها (٤).
وقال ابن حزم الظاهري : « فمن أكره على شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة أو الدم أو بعض المحرمات ، أو أكل مال مسلم أو ذمي ، فمباح له
____________
(١) تاريخ الطبري ٤ : ٤٢٧ في حوادث سنة / ١٤٥ ، ط ٢ ، دار الكتب العلمية ، بيروت سنة / ١٤٠٨ هـ.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٠ : ١٨٠ ، وبه قال الإمام الزيدي أحمد بن يحيى بن المرتضى في البحر الزخار ٦ : ١٠٠ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ١٣٩٣ هـ ، وقد ذكرناه هنا ؛ لادعاء بعض خصوم الشيعة من الجهلة الاغبياء بان الزيدية أنكروا التقيّة ، ولولا خشية الأطالة لزدت البحث فصلاً في تقيتهم.
(٣) فتاوى قاضيخان ٥ : ٤٨٩. واُنظر : أحكام القرآن / الجصاص الحنفي ١ : ١٢٧. والمبسوط / السرخسي ٢٤ : ٤٨ وما بعدها. وبدائع الصنائع ٧ : ١٧٥ وما بعدها.
(٤) التفسير الكبير / الفخر الرازي الشافعي ٢٠ : ١٢١.