الحقيقية بهذا الشكل يمكن ان يستفاد منه في مسألة اخرى وهي انه هل يمكن تقييد الحكم بوجوب الحج بالعلم بان يقال يجب الحج على المستطيع ان كان عالما بوجوب الحج؟ والجواب : كلا لا يمكن ذلك لان الوجوب اذا كان منصبا على المستطيع المقيد بالعلم بالوجوب فهذا معناه ان موضوع الوجوب مركب من جزئين هما المستطيع والعلم بالوجوب ، وهذا مستحيل للزوم الدور منه ، اذ وجوب الحج متوقف على العلم بوجوب الحج ـ باعتبار ان العلم بالوجوب جزء الموضوع ، وقد قلنا ان الحكم مسبب عن موضوعه ، فلو كان العلم بالوجوب جزء الموضوع يلزم توقف الوجوب عليه ـ وحيث ان العلم بالوجوب متوقف على ثبوت الوجوب فيلزم كون الوجوب موقوفا على الوجوب.
وباختصار : ان القضية التحليلية التي تقول : « الحكم في القضية الحقيقية يرجع الى كون الحكم مسببا عن موضوعه » وقعت في طريق اثبات قضية تركيبية وهي ان تقييد الحكم بالعلم به امر مستحيل لمحذور الدور. وقد مرّ كل هذا في الحلقة الاولى ص ١٥٦ ـ ١٥٨ تحت عنوان ( موضوع الحكم ).
ومثال الشكل الثاني ما اذا قيل : ان افطرت متعمدا فصم شهرين متتابعين ، فلو فرض ان شخصا افطر ولكنه شك في ان صوم الشهرين متعيّن عليه او هو مخيّر بينه وبين اطعام ستين فقيرا ـ والثمرة تظهر فيما لو اطعم ستين مسكينا ، فان صوم الشهرين
لو كان معينا فلازمه عدم الاكتفاء بالاطعام ولزوم صوم شهرين ، بينما لو كان مخيرا اكتفي بالاطعام ـ فالمشهور بين الفقهاء ان المكلّف بعد اطعامه الفقراء لا يلزمه صوم الشهرين لجريان البراءة عنه. ولكنه كيف تجري البراءة (١)؟
__________________
(١) لا تضاح المثال نذكر مقدمة هي : انه وقع كلام بين الأصوليّين في حقيقة الوجوب التخييري فلو قيل : ان افطرت فاطعم ستين فقيرا او صم شهرين فما هي حقيقة هذا ـ