توجد ارادة لاستعمال الدواء وانما تحدث بعده قد تسأل هل ارادة استعمال الدواء تحدث للمريض عند ما يكون مريضا حقا او عند ما يتخيل ويتصور انه مريض؟ الصحيح هو الثاني ، فهو يريد الدواء عند ما يتخيل كونه مريضا وان لم يكن مريضا واقعا فان المرض واقعا من دون اعتقاد به لا يحدث الارادة للدواء وانما المحدث لها هو اعتقاد المرض سواء كان ثابتا حقا ام لا.
وبكلمة اخرى ان السبب لحدوث الارادة هو المرض بوجوده العلمي التخيلي دون وجوده الواقعي ، وهذا بخلاف المصلحة في استعمال الدواء فانها لا تثبت الا عند وجود المرض واقعا سواء اعتقد الشخص بكونه مريضا او لا (١).
٥ ـ وننتقل الى مرحلة الجعل ـ اي الوجوب مثلا ـ لنقول ان الوجوب له شرطان ايضا ، فالمرض شرط لاتصاف استعمال الدواء بالوجوب ومن دونه لا وجوب اصلا بخلاف بعدية الطعام ـ التي هي شرط الترتب ـ ليست شرطا لاصل الوجوب ، فان الوجوب ثابت على المريض حتى قبل استعمال الطعام وانما هي شرط لمتعلق الوجوب اي الواجب وهو استعمال الدواء ، فاستعمال الدواء هو المقيد ببعدية الطعام ولذا نقول في مقام التعبير : الدواء ما بعد الطعام واجب آخذين بعدية الطعام قيدا للدواء لا لكلمة واجب.
وخلاصة البحث الى الآن : ان المرض الذي هو ـ شرط الاتصاف ـ شرط
__________________
(١) وقد اشار قدسسره لهذه النقطة بقوله ص ٣٣١ س ٦ : « غير ان الارادة التي ذكرنا ... ».
ثم لا يخفى ان غالب الامور النفسية هي من هذا القبيل فانها معلولة للاعتقاد لا لثبوت الشيء واقعا ، فالخوف مثلا لا يحدث الا عند الاعتقاد بوجود الاسد في الدار فمن اعتقد بذلك حصل له الخوف وان لم يكن موجودا فيها واقعا ، ومن لم يعتقد بذلك لا يحصل له وان كان موجودا فيها واقعا ، وهكذا الحب والبغض ، فمن اعتقد باحسان شخص له احبه وان لم يكن كذلك واقعا ، ومن لم يحصل له الاعتقاد بالاحسان فلا حب له ولو كان كذلك واقعا. وهذا معنى ما يقال من ان القضايا النفسية تنشأ من الصور العلمية دون الوجودات الواقعية