حينما جعل الامارة حجة لا بدّ وان يفرض صيرورتها سببا لحدوث المصلحة في مؤداها ، فاذا ادت الى وجوب الظهر فمؤداها ـ وهو وجوب الظهر ـ لا بدّ من حدوث المصلحة فيه والا كان جعل الحجية لها من قبل الشارع قبيحا لانه يوجب تفويت مصلحة الواقع ، ومعه يلزم اجزاؤها لعدم الفرق بينها وبين الجمعة في الوفاء بالمصلحة.
وهذا المسلك القائل بكون الامارة سببا لحدوث المصلحة في مؤداها هو المعروف بمسلك السببية. هكذا قد يقرب برهان القول باجزاء امتثال الاحكام الظاهرية. وفيه :
١ ـ ان القول بالسببية باطل في نفسه ـ لما سيأتي ـ وحل المشكلة لا يتوقف عليه حتى نكون ملزمين بالاخذ به ، بل يمكن حلها بوجه آخر تقدمت الاشارة اليه في اوائل الكتاب. ولتوضيحه نقول باختصار : واجه الاصوليون مشكلة تقول كيف جعل الشارع خبر الثقة مثلا حجة والحال ان ذلك قد يوجب تفويت مصلحة الواقع باعتبار انه ربما يكون الثابت واقعا وجوب الجمعة ، فاذا جعل الشارع خبر الثقة حجة وكان دالا على وجوب الظهر فسوف يأتي المكلف بالظهر ويترك الجمعة ، وبذلك تفوت عليه مصلحة الجمعة ، ومن الواضح ان تفويت المصلحة الواقعية امر قبيح. وهذه المشكلة تتولد من اثبات الحجية لخبر الثقة ، اذ لو لا ذلك لما اخذ المكلف به بل كان يحتاط ويحاول تحصيل العلم بالواقع. ان هذه المشكلة اثارت اهتمام الاصوليين وصارت سببا لتولد مسلك السببية ، فمسلك السببية لم ينشأ الا من اجل الفرار من هذه المشكلة ، فان الامارة اذا كانت تحدث مصلحة بمقدار مصلحة الواقع فلا محذور بعد ذلك في جعلها حجة ، ولكن هذا المسلك باطل جزما ، لانه يؤدي الى محذور التصويب كما سنوضح ، ومن هنا