حاول الشيخ الانصاري قدّس سره سلوك مسلك آخر في حل المشكلة وهو القول بالمصلحة السلوكية (١) الذي هو من نتائج هذه المشكلة ايضا. وسلك السيد الشهيد قدّس سره مسلكا ثالثا تقدمت الاشارة له في اوائل الحلقة ، وحاصله : ان الحكم الظاهري ينشأ من مصلحة وملاك معين ولكن تلك المصلحة هي عين مصلحة الواقع وليست مغايرة لها ، فمثلا شرّع الله سبحانه الاباحة للماء كما وشرع الحرمة للخمر ، واحيانا قد يحصل الاشتباه ويتردد امر سائل معين بين الخمر والماء وفي مثل ذلك لا بدّ من تشريع لهذا السائل المشتبه ، ولكن ما هو ذلك الحكم المشرع؟ ان الحكم المشرع لا بدّ وان يكون موافقا للملاك الاهم ، فالمولى يقارن بين مصلحة اباحة الماء ومفسدة حرمة الخمر ، فاذا شخّص ان المصلحة اهم شرع حكما ظاهريا يقول كل شيء لك حلال حتى تعرف انه حرام ، ان هذا الحكم الظاهري نشأ عن مصلحة وليست هي الا المصلحة الواقعية الاهم ، وان شخص ان الاهم هو مفسدة الخمر شرع حكما ظاهريا يقول اخوك دينك فاحتط لدينك ، وهو ايضا حكم ظاهري ناشىء عن الملاك الاهم. اذن الحكم الظاهري حكم ناشىء من الملاك الواقعي الاهم.
واذا عرفنا حقيقة الحكم الظاهري اندفعت المشكلة السابقة ، اذ الحكم الظاهري وان كان قد يخالف الواقع احيانا الا انه لما نشأ للتحفظ على الملاك الاهم كان فوات مصلحة الواقع من باب التضحية بالملاك غير الاهم حفاظا على الملاك الاهم ، وتلك تضحية مقبولة لدى العقلاء.
اذن حلّ المشكلة السابقة يمكن في تفسير حقيقة الحكم الظاهري بالحكم الناشىء وفق الملاك الاهم ، وهو الحل الصحيح.
__________________
(١) يأتي توضيح المقصود من المصلحة السلوكية في الجواب الثاني