واما ما افيد في البرهان السابق من التمسك بمسلك السببية فهو باطل ، فان مسلك السببية يستلزم التصويب ، اذ لو فرض ان الحكم الثابت في الواقع هو وجوب الجمعة وادت الامارة الى وجوب الظهر واحدثت في الظهر مصلحة بمقدار عشر درجات التي هي بمقدار مصلحة الواقع فيلزم تبدل الواقع من التعيين الى التخيير ، فالثابت في الواقع قبل قيام الامارة هو وجوب الجمعة بنحو التعيين وعند قيام الامارة وحدوث مصلحة في الظهر بمقدار مصلحة الواقع يلزم تبدل تعين وجوب الجمعة الى التخيير بينها وبين الظهر ، فانه بعد اشتمال كل من الجمعة والظهر على مصلحة متعادلة فلا وجه لتخصيص الوجوب بالجمعة بل يلزم انقلابه الى التخيير وهذا نحو من انحاء التصويب ، فان للتصويب انحاء منها ان لا يكون في الواقع حكم ابدا وانما يحدث بعد قيام الامارة ومنها ان يكون في الواقع حكم ولكنه يتبدل كما هو الحال في المقام. ومن هنا جرت عادة الاصوليين على الفرار من مسلك السببية وما ذاك الا للمحذور المذكور.
٢ ـ انه حتى لو قبلنا مسلك السببية فلا يثبت بذلك الاجزاء ، فلو سلمنا ان الامارة تحدث مصلحة فلا يلزم ان تكون تلك المصلحة ثابتة في المؤدى ليلزم صيرورة الظهر مثلا واجبة كوجوب الجمعة بل من الممكن افتراض ثبوتها في السلوك بمعنى ان سلوك الامارة والجري العملي على طبقها تحدث فيه مصلحة ، وهذه المصلحة في السلوك ليست بمقدار مصلحة الواقع بل بمقدار المصلحة الفائتة على المكلف ، فاذا فرض ان المكلف سلك الامارة الدالة على وجوب الظهر وكان الثابت في الواقع هو وجوب الجمعة ولم ينكشف مخالفة الامارة للواقع الا بعد انقضاء الوقت ففي مثل هذه الحالة تكون جميع مصلحة الواقع قد فاتت على المكلف بسبب سلوك الامارة فيلزم لاجل تدارك المصلحة الفائتة ثبوت مصلحة