واما المجموعة الثانية ـ وهي الاخبار الدالة على شرطية ولاية اهل البيت عليهمالسلام في قبول الاعمال ـ فيردها انها اجنبية عن المقام بالكلية ، اذ هي لا تقول ان القطع الحاصل من العقل ليس حجة بل تقول ان العمل مهما كان راقيا وعاليا فما دام فاعله لا يوالي اهل البيت عليهمالسلام فهو غير مقبول.
واما المجموعة الثالثة فيردها انها بصدد النهي عن ترك مراجعة رواياتهم عليهمالسلام والاعتماد الكلي على القضايا العقلية باعتبار ان مراجعة رواياتهم قد تصير سببا لعدم حصول القطع من القضايا العقلية بصورة سريعة كما هو الحال في قصة ابان ، فانه لو كان قد راجع الروايات الدالة على ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغته رجعت الى النصف لما كان يقطع بكون المناسب ثبوت اربعين في قطع اربع اصابع (١).
__________________
(١) جدير بهذه المناسبة الاشارة الى الاتجاهات المتعاكسة في تقييم العقل ، وهي :
١ ـ الاتجاه الذي يصعّد من قيمة العقل ويرتقي به الى القمة. وتجلت معالم هذا الاتجاه بوضوح اواسط القرن الثاني الهجري حينما ارتحل الرسول الاعظم صلىاللهعليهوآله وهجرت وصاياه بالتمسك بالعترة الطاهرة عليهمالسلام الى جانب القرآن الكريم. ان هجر تلك الوصايا وحصر مصادر التشريع بالقرآن الكريم وسنته صلىاللهعليهوآله ادى بحسب النتيجة الى تضييق الينابيع المستقى منها الاحكام واضطرت الحاجة الى فتح المجال للعقل ليقف مصدرا ثالثا الى جانب المصدرين السابقين.
وقد اطلق على هذه المدرسة اسم مدرسة الرأي والاجتهاد ، وكان ابو حنيفة من روادها الاوائل ، ويؤثر عنه انه كان يقول : « اني آخذ بكتاب الله اذا وجدته فما لم اجده اخذت بسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله فاذا لم اجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله صلىاللهعليهوآله اخذت بقول اصحابه من شئت وأدع من شئت ثم لا اخرج من قولهم الى غيرهم فاذا انتهى الامر الى ابراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين فلي ان اجتهد كما اجتهدوا ».
ولا نكون بعيدين عن الصواب اذا ما نسبنا الى هذه المدرسة اتهام الشريعة الاسلامية بالنقص وعدم الشمول لجميع شؤون الحياة وان الله لم يشرع الا احكاما معدودة وهي ما جاء بيانها في القرآن الكريم وسنة الرسول صلىاللهعليهوآله وترك التشريع في سائر المجالات الاخرى الى اجتهاد الفقهاء واستحساناتهم. ـ