ولا نطيل الكلام في المقام بعد أن عرفنا ابن عباس كان في قرباه من أهل البيت عليها السلام بحكم آية الخمس ، وعاش في كنفهم وتحت ظلهم ، فهو « من هذا الوجه يعرف العام والخاص ، وما هو من الأوامر حتم وما ليس بحتم ، وبه يفرق بين الناسخ والمنسوخ » (١). ومصدر علمه هو الآثار التي سمعها من أهل بيت العصمة عليهم السلام من عليّ وفاطمة عليهما السلام كما مرّ ، إذن فهو متّبع وليس بمخترع على الصحيح في هذا المجال.
وإلى القارئ بعض ما يدل على معرفته بالعام والخاص معرفة تامة :
ففي ما ورد عنه في التفاسير عدّة شواهد ، مثلاً حين يذكرون قوله في تفسير الآية الكريمة : (كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ) (٢) ، قال : « أي أهل طاعته لا الناس أجمعون ، وهذا من باب اطلاق اسم العام وإرادة به الخاص » (٣).
وفي تفسير قوله تعالى : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) (٤). أراد البعض من الكلّ ، قال ابن عباس : « لو كان إبراهيم قال : « فاجعل أفئدة الناس تهوي إليهم » ، لحجه اليهود والنصارى والناس كلّهم ، ولكنه قال : (أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (٥) » (٦).
وفي قوله تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) (٧) ، أي صالحة ، كما عن
____________
(١) مقدمتان في علوم القرآن / ٥٦.
(٢) البقرة / ١١٦.
(٣) البرهان للزركشي ٢ / ٢٧١.
(٤) إبراهيم / ٣٧.
(٥) إبراهيم / ٣٧.
(٦) تفسير الطبري ١٣ / ٢٣٤.
(٧) الكهف / ٧٩.