ونحو هذا التكريم صنيعه مع تلميذ آخر من تلامذته هو أبو حمزة ، فقد روى الخطيب بسنده عنه ، قال : « كنت أقعد مع ابن عباس فكان يجلسني معه على سريره ، فقال لي : أقم عندي حتى أجعل لك سهماً من مالي » (١).
وعن تكريمه لسعيد بن جبير ، فقد فاق ما ذكرت حتى كان يشركه معه في الإجابة ، ولم نجد مثل هذا مع غيره.
فقد روى الخطيب بسنده عن سعيد بن جبير ، قال : « كنت عند ابن عباس فسئل عن مسألة فالتفت إليّ فيها ، فقال : ما تقول يا سعيد بن جبير؟ فقلت : أنت ابن عباس وإنّما جئت أقتبس منك. فقال ابن عباس : إذا كان لك جليس فسله ، فإنّما هو فهم يؤتيه الله من يشاء » (٢).
الكتابة عنه بين التنقيد والتقييد
لئلا نغرق في تفاصيل الحديث عن بداية إختلاف الآراء في موضوع كتابة الحديث سلباً وإيجاباً ، تنقيداً وتقييداً ، نمرّ بما ورد عن ابن عباس في ذلك ، وقد مرّ بنا في الحلقة الأولى في الجزء الأول ، وفي بداية هذه الحلقة أيضاً ، ما يوضح لنا رأيه ومن خلال سلوكه العملي ، ثم نحن الآن نستعرض ما روي عنه ممّا يوحي بالتناقض والتضاد ، وكأنّه نتيجة التناضل السياسي بينه وبين السلطات الحاكمة كانت المواقف المرويّة عنه متناقضة.
____________
(١) نفس المصدر ٢ / ١١٧.
(٢) نفس المصدر ٢ / ١٨٥.