كما إنّه كان جميل الذكر فهو أيضاً جليل الأثر ، وقد فرض بعلمه في شتى فنون معارف عصره خلوده بآثاره ، فهو حيّ ما دام له أثر في التفسير يذكر ، وحديث يسطر ، وفقه به يشهر ، وخلّ عنك باقي آثاره في اللغة العربية وآدابها ، وأيام العرب وأنسابها. وتلكم هي حياة العلماء المعطاءة الباقية ما بقي الدهر ، لأنّهم أعيانهم مفقودة لكن آثارهم في الحياة موجودة ، فهم بإستمرار عطائها يُذكرون فيُشكرون.
وابن عباس رضي الله عنه ممن ملك ناصية الحياة في هذا الباب ، فخلّف من التراث ما هو كفيل بخلوده ، ولولا عوادي الزمان ، وأبناء الشيطان ، لوصل ذلك الكمّ الهائل من التراث الذي قدّر بعضه حمل بعير.
فقد روى ابن سعد وغيره : أنّ كريب بن أبي مسلم « ت٩٧ هـ » ـ وهو أحد موالي ابن عباس النابهين ـ قد أودع عند موسى بن عقبة حمل بعير من كتب ابن عباس ، فكان علي بن عبد الله بن عباس « ت١١٨ هـ » إذا إحتاج إلى بعضها كتب إلى موسى بن عقبة أن يرسل إليه صحيفة من كتب أبيه لينسخها ، ثم ينسخها ويعيدها إليه (١).
ولئن لم يصل إلينا من تلك الثروة العلمية إلاّ خبرُها ، فكذلك ثمّة قائمة طويلة بأسماء كتب لابن عباس ذكرها الشيخ النجاشي في رجاله في ترجمة
____________
(١) الطبقات الكبرى ٥ / ٢٩٣.