فهو إذن غنّي ثريّ مليّ بما أوتيه من فهم واختصاص فيما تلقاه من باب مدينة العلم. ولم تكن روايته عن الآخرين في هذا الشأن عن حاجة ، ولكن لتمشية الحال كما يقال بعد أن أصبحت المحاصرة والمكاشرة والمكاثرة بين الخالفين وأهل البيت ، فصار ابن عباس وهو الوحيد من أهل البيت عليهم السلام الذي تمكن بسلوكه أن يبث ما عنده من معارف بتنويع مصادره ، فتارة يصرّح وأخرى يضمر. وكان ممن اتكأ عليه في أسباب النزول هو أبيّ بن كعب ، فقال : « سألت أبيّ بن كعب عما نزل من القرآن بالمدينة فقال : نزل بها سبع وعشرون سورة وسائرها بمكة » (١).
نماذج من مصادر معرفته بأسباب النزول
لا شك أنّه لم يكن ابن عباس قد حضر جميع أسباب النزول زماناً ومكاناً ، فلابد أنّه سمع ذلك من الآخرين على نحو ما روى ابن إسحاق في سيرته في حديث بناء الكعبة قال : « حدثني أبي العباس بن عبد المطلب ، قال : كنّا ننقل الحجارة حين بنت قريش البيت ، فأفردت قريش رجلين رجلين ، وكان النساء ينقلن الشَيِد وكان الرجال ينقلون الحجارة ... » (٢).
____________
(١) الإتقان ١ / ٩ مطبعة حجازي بمصر١٣٦١ هـ.
(٢) سيرة ابن اسحاق / ٧٩ تح سهيل زكار.