٢٥٠ / ٢ ـ حدثنا محمد بن محمد ، قال : حدثنا أبو نصر محمد بن الحسين البصير ، قال : حدثنا العباس بن السري المقرئ ، قال : حدثنا شداد بن عبد الله المخزومي ، عن عامر بن حفص ، قال : قدم عروة بن الزبير على الوليد بن عبد الملك ومعه محمد بن عروة ، فدخل محمد دار الدواب ، فضربته دابة فخر ميتا ، ووقعت في رجل عروة الاكلة (١) ، ولم تدع (٢) وركه تلك الليلة ، فقال له الوليد : اقطعها ، فقال : لا ، فترقت إلى ساقة فقال له : اقطعها وإلا أفسدت عليك جسدك ، فقطعها بالمنشار وهو شيخ كبير لم يمسكه أحد ، وقال : لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا.
وقدم على الوليد في تلك السنة قوم من بني عبس فيهم رجل ضرير ، فسأله الوليد عن عينه وسبب ذهابها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بت ليلة في بطن واد ، ولا أعلم عبسيا تزيد حاله على حالي ، فطرقنا سيل ، فذهب ما كان لي من أهل وولد ومال غير بعير وصبي مولود ، وكان البعير صغيرا صعبا فند (٣) ، فوضعت الصبي ، وأتبعت البعير ، فلم أجاوز إلا قليلا حتى سمعت صيحة ابني ، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله ، ولحقت البعير لأحتبسه فنفحني برجله في وجهي فحطمه وذهب بعيني ، فأصبحت لا مال لي ولا أهل ولا ولد ولا بصر. فقال الوليد : انطلقوا به إلى عروة ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
وشخص عروة إلى المدينة فأتته قريش والأنصار ، فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله : ابشر يا أبا عبد الله ، فقد صنع الله بك خيرا ، والله ما بك حاجة إلى المشي.
فقال : ما أحسن ما صنع الله بي! وهب لي سبعة بنين فمتعني بهم ما شاء ، ثم أخذ واحدا وترك ستة ، ووهب لي ستة جوارح متعني بهن ما شاء ثم أخذ واحدة وترك خمسا : يدين ، ورجلا وسمعا وبصرا. ثم قال : إلهي لئن كنت أخذت لقد أبقيت ،
__________________
(١) الاكلة : الحكة ، وداء في العضو يأتكل منه.
(٢) ودع يدع : سكن واستقر.
(٣) ند البعير : نفر وشرد.