فقال النصراني. فبماذا عرفت الوعد لك بالمنزلة التي ذكرتها؟ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : بالكتاب المنزل وصدق النبي المرسل.
قال : فبماذا علمت صدق نبيك؟ قال عليهالسلام : بالآيات الباهرات والمعجزات البينات.
قال الجاثليق : هذا طريق الحجة لمن أراد الاحتجاج ، فخبرني عن الله تعالى ، أين هو اليوم؟
فقال : يا نصراني ، إن الله تعالى يجل عن الأين ، ويتعالى عن المكان ، كان فيما لم يزل ولا مكان ، وهو اليوم على ذلك لم يتغير من حال إلى حال.
فقال : أجل أحسنت أيها العالم وأوجزت في الجواب ، فخبرني عنه تعالى أمدرك بالحواس عندك ، فيسلك المسترشد في طلبه استعمال الحواس ، أم كيف طريق المعرفة به إن لم يكن الامر كذلك؟
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : تعالى الملك الجبار أن يوصف بمقدار ، أو تدركه الحواس ، أو يقاس بالناس ، والطريق إلى معرفته صنائعه الباهرة للعقول ، الدالة ذوي الاعتبار بما هو عنده مشهود ومعقول.
قال الجاثليق : صدقت ، هذا والله الحق الذي قد ضل عنه التائهون في الجهالات ، فخبرني الان عما قاله نبيكم في المسيح ، وانه مخلوق ، من أين أثبت له الخلق ، ونفى عنه الإلهية ، وأوجب فيه النقص؟ وقد عرفت ما يعتقد ـ فيه كثير من المتدينين.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : أثبت له الخلق بالتقدير الذي لزمه ، والتصوير والتغيير من حال إلى حال ، والزيادة التي لم ينفك منها والنقصان ، ولم أنف عنه النبوة ، ولا أخرجته من العصمة والكمال والتأييد ، وقد جاءنا عن الله تعالى بأنه مثل آدم خلقه من تراب ، ثم قال له : كن فيكون.
فقال له الجاثليق : هذا ما لا يطعن فيه الان ، غير أن الحجاج مما تشترك فيه الحجة على الخلق والمحجوج منهم ، فبم بنت أيها العالم من الرعية الناقصة عنك؟