وثالثا : بمنع إرادة المفهوم من الثانية هنا لو قلنا بالمفهوم مطلقا وسلّمنا تساويه مع مفهوم الاولى ، أو لا بدّ من حمل مفهومها على نفي الكرّيّة عن الأقلّ من ثلاثة أشبار صونا لها عن مخالفة الإجماع ؛ ضرورة أنّ ما زاد على ذلك كرّ مع زيادة فكيف يعقل نفي الكرّيّة عنه ، ومعه ارتفع المعارضة بينهما كما لا يخفى.
إلّا أن يقال بأنّ : المنفيّ في الثانية بالنسبة إلى جانب الزيادة إنّما هو الكرّ بشرط لا ، لا مطلق الكرّ ، ولا ريب أنّه يصدق على ثلاثة أشبار ونصف على تقدير تحقّق الكرّيّة بأقلّ منه : أنّه ليس من الكرّ بشرط لا ، أي الكرّ بشرط عدم الزيادة.
وفيه : مع أنّه لا ينافي مفاد منطوق الاولى كما لا يخفى ، أنّ الالتزام بذلك التقييد مع عدم إشعار في الرواية به ليس بأولى من التزام عدم اعتبار المفهوم هنا بالمرّة ، أو تخصيصه بجانب القلّة مع صلاحيّة منطوق الاولى مع انضمام الإجماع المشار إليه قرينة على هذا التصرّف في الثانية.
ورابعا : لأنّ مفهوم الاولى ممّا يعضده الشهرة ومصير المعظم إلى خلاف مفهوم الثانية.
ثمّ ، إنّه ربّما يحتجّ على قول القمّيّين بالأصل ، وبالاحتياط ، وبمقاربته للأرطال ولأكثر من راوية والحبّ والقلّتين ، المذكورات في الروايات المتقدّمة.
ولا يخفى ما في جميع ذلك من الخروج عن السداد ، والاعتماد في استنباط الحكم الشرعي على ما لا ينبغي عليه الاعتماد ، فإنّ الأصل والاحتياط ـ مع أنّهما معارضان بمثليهما ، ضرورة أنّ الأصل بقاء الحدث والخبث فيما لو اريد التطهير بما دون ثلاثة أشبار ونصف الملاقي للنجاسة ، وأنّ الاحتياط واستصحاب الاشتغال بمشروط بالمائيّة يقتضيان عدم الاكتفاء بذلك المفروض ـ يندفعان بعدم صلوحهما لإحراز الحكم الواقعي ولا الحكم الظاهري بعد قيام الدليل الاجتهادي السليم عن المعارض على خلافهما كما عرفت ، وكما أنّهما لا يصلحان معارضين لدليل اجتهادي فكذلك لا يصلحان معاضدين له لو وافقهما.
فلو اريد بهما تأييد ما تقدّم من الرواية المقامة حجّة على هذا القول ، يدفعه : توجّه المنع إلى صلوح الأصل العملي معاضدا للدليل الاجتهادي كما قرّر في محلّه.
ومحصّل بيانه على وجه الإجمال : أنّه كما يعتبر في المتعارضين تواردهما على