التكافؤ وفقد المرجّح وعدم إمكان العمل ، وقد عرفت في تتميم دليل المشهور المنع عن جميع ذلك ، فإنّ أقلّ المراتب في ذلك قيام المرجّح من جهات شتّى من الداخليّة والخارجيّة وهو كاف في علاج التعارض.
نعم ، ينبغي أن يعلم أنّ هذا المذهب من المعظم مع مصيرهم في تحديد الكرّ إلى ما تقدّم ، إنّما يستقيم إذا لم يحصل بين الحدّين تفاوت بحسب المقدار ولو يسيرا ، وإلّا ـ كما هو توهّمه غير واحد ، حتّى أنّ منهم من يدّعي في ذلك دوام كون الوزن أقلّ ، كبعض مشايخنا (١) في شرح الشرائع ـ أشكل الأمر إشكالا لا يندفع إلّا بتكلّف إناطة ذلك باختلاف المياه وزنا في الثقل والخفّة ، كما ارتكبه بعضهم.
ثمّ إنّ تحديد الكرّ بكلّ من الجهتين مبنيّ على التحقيق ، ولا يكفي فيه التقريب كما قرّر في الاصول ، ونصّ عليه هنا غير واحد من الفحول ، وليس الحال فيه بل في جميع التحديدات الشرعيّة ـ كما في الموازين وغيرها ـ من المقادير الّتي يتسامح فيها عرفا ، فلو نقص الماء عن أحد الحدّين ولو بيسير من مثقال بل أقلّ وجزء من شبر ينفعل بالملاقاة ، ولا يلحقه أحكام الكرّ جزما.
ثمّ إنّ المعتبر في الأشبار إنّما هو شبر مستوى الخلقة ، فلا اعتداد بشبر من قصر شبره عن الحدّ المذكور لصغر يده ، ولا بشبر من زاد شبره على ذلك الحدّ لكبر يده أو طول أصابعه ، وكلّ ذلك قضيّة لانصراف المطلق في نظر العرف والعادة ، ولأنّه لو لا ذلك خرج الحدّ الشرعي عن الانضباط ، وأفضى إلى الهرج والمرج لغاية وضوح الاختلاف ، وقد نصّ على ما ذكرناه أيضا غير واحد من الفحول ، وحكي التصريح به عن السرائر (٢) والمنتهى (٣) والقواعد (٤) والتحرير (٥) وجامع المقاصد (٦) والذكرى (٧) والمسالك (٨) ، بل عن الذكرى (٩) أنّه عزاه إلى الأكثر ، وإلّا فالعلم عند الله الأكبر.
* * *
__________________
(١) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري قدسسره ـ ١ : ١٩١.
(٢) السرائر ١ : ٦١.
(٣) منتهى المطلب ١ : ٤٠.
(٤) قواعد الأحكام ١ : ١٨٤.
(٥) تحرير الأحكام ـ كتاب الطهارة ـ (الطبعة الحجريّة) : ٤.
(٦) جامع المقاصد ١ : ١١٨.
(٧ و ٩) ذكرى الشيعة ١ : ٨٠.
(٨) مسالك الافهام ١ : ١٤.