إغماض عن إطلاق العبارة في منقول الإجماع المتضمّنة لقولهم : « النجاسة لا تسري من الأسفل إلى الأعلى » ، ولا ريب أنّها تشمل الغير السائل أيضا ، بل أظهر أفراده ما تقدّم الإشارة إليه من مسألة الانبوبة ، ومن المصرّح به في كلام غير واحد من الأساطين أنّ منقول الإجماع عند العاملين به تعبّدا باعتبار العبارة الحاكية له من جملة الأدلّة اللفظيّة ، ولذا يسمّونه بالسنّة الإجماليّة ، فيجري عليه جميع أحكام اللفظ من إطلاق وتقييد ، وعموم وخصوص ، وإجمال وبيان ، فإذا كان عبارة قولهم : « النجاسة لا تسري من الأسفل إلى الأعلى إجماعا » ، أو أنّهم أجمعوا على عدم سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى مطلقة شاملة لعال غير سائل ، فأيّ شيء يقضي بخروج ذلك عن الحكم المثبت بذلك وهو يوجب تقييد تلك العبارة ، ولا يصار إليه إلّا بدليل.
وقاعدة الاقتصار على مورد اليقين لا مجال إليها في الظواهر ، لأنّ الظاهر حيثما ثبت حجّيّة سنده قائم مقام اليقين ومعه لا معنى للاقتصار ، وخصوصيّة المثال في فتاوي الأصحاب لا تقضي باختصاص إجماعهم المنقول بعبارة مطلقة ظاهرة في العموم ، كما أنّ خصوص المورد والسبب لا يوجب تخصيصا في العامّ ولا تقييدا في المطلق ، واعتبار كون كلّ ذلك قرينة كاشفة عن حقيقة مراد الناقلين للإجماع من تلك العبارة ، أو مراد المفتين في المسألة بتلك العبارة ليس على ما ينبغي ، لتوجّه المنع الواضح إلى صلوح ذلك للقرينيّة ، وإلّا لكان ينبغي أن يقال بمثله في غير محلّ المقال كعمومات اخر واردة في موارد خاصّة ، ومجرّد الاحتمال لا يعارض الظهور ، ويقوى هذا الإشكال لو كان مستند الحكم أو مستند الإجماع ما سبق الإشارة إلى ضعفه من عدم معقوليّة سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى ، كما لا يخفى.
نعم ، يمكن الاعتذار له قدسسره بأنّ مستنده في حكم المسألة إجماع حصّله بنفسه ، كما صرّح به في صدر العبارة المتقدّمة ، وكان معقد ذلك الإجماع مجملا في نظره بالقياس إلى بعض الأفراد ، فاضطرّ إلى الاقتصار على مورد اليقين ، حيث إنّ الإجماع المحصّل ليس من مقولة الألفاظ ليعتبر فيه إطلاق أو عموم أو نحو ذلك ، ولكنّه بعيد عن المتتبّع الناقد ، ولعلّه عثر من الخارج على ما دلّه على ما ادّعاه فهو أبصر بحقيقة الحال ، ولكن مجرّد ذلك لا يوجب لغيره الغير العاثر على ما عثر عليه رفع اليد عن ظهور منقول