مسألة الورودين كثيرا عن مسألة العالي والسافل ، وكلامه يقتضي المصادقة الدائمة وإلّا لم يكن [وجه] (١) لتخصيص محلّ البحث من مسألة الورودين بما يبدأ فيه الفرق بين القدر المتّصل بالنجاسة وما فوقه ، إلّا أن يكون مراده بالفوقيّة ما يتحقّق مع تساوي السطوح أيضا ، وقد عرفت القول فيه.
وكيف كان فالوجه في المسألة هو هذا ، خلافا لما عرفت عن المناهل ، عملا بإطلاق الإجماعات المنقولة ، على أنّ النجاسة لا تسري من الأسفل إلى الأعلى ، فإنّه يشمل المقام وسائر المائعات ممّا لا يندرج تحت المطلق ولا المضاف الّذي يطلق عليه الماء مجازا جزما ، بحيث يكون الاسترابة فيه دفعا للضرورة ، فعلى ثبوت العمل به تمّ الدليل واستقرّت الحجّة ، وليس للمخالف على ما عرفت إلّا إطلاقات الفتاوي ، والإجماعات المنعقدة على انفعال المضاف مطلقا ، ودفعه بعد ملاحظة أنّ إطلاقاتهم فتوى ودعوى للإجماع في الفرق بين العالي وغيره أخصّ مطلقا من تلك الإطلاقات هيّن.
لا يقال : النسبة بينهما ترجع إلى عموم من وجه ، لافتراق الاولى في الماء المستعلي ، وافتراق الثانية في المضاف الغير المستعلي ، فيجتمعان في المضاف المستعلي ، ويلزمه الترجيح بالخارج.
لأنّا نقول : مع إمكان ترجيح الاولى بموافقتها الأصل ، فيه منع واضح فإنّ ذلك إنّما يتّجه إذا لوحظت الثانية منفردة عن إطلاقات انفعال الماء القليل ، وأمّا إذا لوحظتا معا وهما متوافقان في الحكم كان إطلاقات المستعلي أخصّ منهما مطلقا فتخصّصهما معا ، ألا ترى أنّه لو قال : « أكرم الرجال » ، ثمّ قال : « أكرم النسوان » ، ثمّ قال ثالثا : « لا تكرم الفسّاق » ، كان ذلك الأخير مخصّصا للأوّلين معا إذا لوحظا منضمّين ، وإن كان بينه وبين كلّ واحد منهما إذا لوحظ منفردا عموما من وجه كما لا يخفى.
ويستفاد من الشيخ الاستاذ في الشرح المشار إليه (٢) : دعوى الضرورة والسيرة فيه وفي الماء ، وكون مسألة عدم السراية مركوزة في أذهان المتشرّعة ، وهو في الجملة ليس ببعيد خصوصا في الماء ، ثمّ إنّه دام ظلّه خصّ الحكم فيه وفي المطلق بما إذا كان العالي سائلا ، وأمّا مع وقوف العالي على السافل من دون سيلان كما لو أدخل إبرة
__________________
(١) أضفناها لاستقامة العبارة.
(٢) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري قدسسره ـ ١ : ٣٠٤.