فظهر أنّ مستند الإجماع أحد الأمرين : من النجاسة والرواية ، والمقام ليس مندرجا في شيء منهما كما لا يخفى.
وأمّا إجماع المعتبر فلعلّه أيضا من هذا القبيل ، ولم يحضرنا الكتاب حتّى نلاحظ في مفاد كلامه وسياقه ، ثمّ لو سلّم الإطلاق في هذين الإجماعين أو في أحدهما فهو قابل للتقييد ، فإنّه باعتبار العبارة الناقلة عامّ ، وبعض ما ستعرف من أدلّة القول بالطهوريّة في ماء الاستنجاء خاصّ فيخصّص به العامّ ، فالقول بسلب الطهوريّة على إطلاقه ضعيف جدّا ، إذا كان مستنده ما ذكر ونظراءه ، وأمّا القول بالطهوريّة مطلقا فالظاهر أنّ التمسّك عليه بالأصل والعمومات متّجه ، إذا اريد بالأصل القاعدة الشرعيّة المستفادة من أدلّة طهوريّة الماء كتابا وسنّة.
لا يقال : إنّه مع العمومات قد انقطعا بأدلّة انفعال القليل بالملاقاة ، إن اريد بالعمومات قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (١) وما أشبه ذلك كتابا وسنّة لتوجّه المنع إلى دعوى الانقطاع ، فإنّ المفروض خروج ماء الاستنجاء عن تحت القليل الّذي ينفعل بملاقاة النجاسة ، ومعنى خروجه عنه انكشاف كونه مرادا من العمومات الأوّلية ، أو انكشاف عدم تعرّض أدلّة الانفعال لإخراجه عنها ، وهذا القدر كاف في صحّة التمسّك بها ؛ لأنّ مبناها على الظهور النوعي وهو حاصل هنا.
نعم ، إنّما يتّجه هذه المناقشة بالقياس إلى تمسّكهم بالأصل ، بمعنى استصحاب الطهوريّة الثابتة لهذا الماء قبل الاستنجاء ، لارتفاع موضوعه بورود أدلّة الانفعال الشاملة له ، ومعه لا يعقل الاستصحاب ، كيف ولو صحّ التمسّك به لإثبات الطهوريّة له مع ورود تلك الأدلّة المقتضية لخلافها لصحّ التمسّك به لإثبات الطهارة له أيضا ؛ لكونها كالطهوريّة ثابتة له قبل الاستنجاء ، ومعه يرتفع الحاجة إلى التمسّك بالأخبار الواردة فيه ، واللازم باطل بالضرورة ، وإبداء الفرق بين الحكمين بدعوى : صحّة ذلك في أحدهما دون الآخر ، تحكّم صرف.
فإن قلت : التمسّك به لإثبات الطهوريّة لهذا الماء إنّما هو بعد ملاحظة الأخبار الواردة المخرجة له عن تحت أدلّة الانفعال ، ولا ضير فيه لكشف تلك الأخبار عن عدم
__________________
(١) الفرقان : ٥١.