فلم لا يجب إذا فرضنا الغسلة بإجراء ماء معتصم عليه كالكثير والجاري والمطر؟ فعلم أنّ الإهراق ليس إلّا لنجاسة الغسالة ، فإذا غسل بالمعتصم لم ينفعل بملاقاة المحلّ.
ثمّ بقى في المقام تفريعا على المختار أمران :
أحدهما : مقتضى القاعدة أن تكون البلّة الباقية على المحلّ بعد انفصال الغسالة عنه بالعصر أو الإفراغ نجسا ، لأنّه جزء من النجس ، بل قضيّة ذلك أن لا يطهّر المحلّ بالماء القليل أبدا ، لكن ظاهر المنتهى (١) ، والمحكي عن المعتبر (٢) ، المسند إلى ظاهر المشهور في الحدائق المدّعى فيه « أنّه قطع به جمع من الأصحاب » (٣) كونها طاهرة مطلقا.
قال في المنتهى ـ بعد ما حكى عن الشافعي القائل بطهارة الغسالة ، الاستدلال بأنّه جزء من المتّصل ، والمتّصل طاهر ، فكذا المنفصل ـ : « والجواب عن الأوّل : الفرق ، وهو لزوم المشقّة في تنجّس المتّصل دونه » (٤) فإنّ الجواب بإبداء الفارق دون منع الحكم في المقيس عليه ينبئ عن اختياره الطهارة ، كما يدلّ عليه أيضا التعبير بلفظة « التنجّس » في قوله : « لزوم المشقّة في تنجّس المتّصل دونه ».
وأصرح منه كلام المعتبر ـ فإنّه بعد ما حكى عن الشيخ الاحتجاج على طهارة الغسالة في إناء الولوغ ، بأنّه لو كان المنفصل نجسا لما طهّر الإناء ، لأنّه كان يلزم نجاسة البلّة الباقية بعد المنفصل ، ثمّ نجّس الماء الثاني بنجاسة البلّة ، وكذا ما بعده ـ قال : « والجواب أنّ ثبوت الطهارة بعد الثانية ثابت بالإجماع ، فلا يقدح ما ذكره ، ولأنّه معفوّ عنه رفعا للحرج » (٥) ولا منافاة بين الحكم بالطهارة أوّلا ، والحكم بالعفو ثانيا ـ كما سبق إلى بعض الأوهام ـ لجواز كون العفو هنا مرادا به رفع النجاسة نفسها لا رفع حكمها فقط ، ولو اريد به ذلك ـ كما هو المعهود من معنى هذه اللفظة ـ لما كان قادحا أيضا ، لجواز ابتنائه على التنزّل والمماشاة ، وكيف كان فالعفو بهذا المعنى أحد الوجوه المحتملة في المقام ، ولم ينقل اختياره صريحا عن أحد من أصحابنا.
نعم عن الأردبيلي (٦) ذكره احتمالا ، وهو محتمل القول الّذي حكاه الشهيد في حاشية الألفيّة (٧) عن بعض الأصحاب ، أعني القول بنجاسة الغسالة مطلقا ـ ولو بعد
__________________
(٤ و ١) منتهى المطلب ١ : ١٤٢.
(٢) المعتبر : ٢٢.
(٣) الحدائق ١ : ٤٩٤. (٥) المعتبر : ٢٣.
(٦) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٨٧.
(٧) المقاصد العليّة : ١٦٢.