لا يجب غسله ، سواء كان من الدفعة الاولى أو الثانية أو الثالثة » (١) ، ولعلّ عموم هذا الحكم في الآنية بالقياس إلى جميع النجاسات ـ كما اشتهر في الألسنة ـ مستفاد من دليله الآتي على هذا الحكم ، فإنّه عامّ الجريان وإن كان مورده قاصرا عن إفادة العموم.
وكيف كان فعنه (٢) الاحتجاج على نجاسة الغسلة الاولى في الثوب بأنّه : « ماء قليل معلوم حصول النجاسة فيه ، فيجب أن يحكم بنجاسته ، وبما تقدّم من رواية العيص » (٣).
وأنت خبير بما فيه من التحكّم ، فإنّ قاعدة انفعال القليل بملاقاة النجاسة إن كانت عامّة في نظره بحيث كانت متناولة لماء الغسالة ، لكانت جارية في كلّ من الغسلتين ؛ ضرورة : أنّ المحلّ بعد الغسلة الاولى لم يطهر بعد ، فالماء المستعمل في الغسلة الثانية أيضا ممّا يصدق عليه أنّه ماء معلوم حصول النجاسة فيه ، وإن لم تكن عامّة على نحو تشمل ماء الغسالة فلا وجه للقول بالنجاسة في الغسلة الاولى أيضا ، بل لازمه القول بالطهارة في كلتا الغسلتين ، عملا بالأصل السليم عن المعارض ، ودعوى : شمولها للغسلة الاولى منه دون الثانية كما ترى.
إلّا أن يقال : بخروج تلك الغسلة عن القاعدة بالدليل ، فيدفعه : ما سيأتي في تزييف ذلك ، إذ ليس ذلك إلّا أصل الطهارة ، وهو عامّ لا يعارض الخاصّ ، أو أصل عملي لا يعارض الدليل ، أو الأخبار المتقدّمة في الاستنجاء الحاكمة بطهارة الماء المستنجى به ، فهي لعمومها الشامل للغسلتين معا تقضي بتخصيص القاعدة في الغسلة الاولى أيضا ، فما وجه الفرق بينهما؟
مضافا إلى أنّها لا تشمل المقام بدلالة لفظيّة ، لاختصاصها بماء الاستنجاء المخرج عن مطلق المستعمل في رفع الأخباث ، ولا بدلالة شرعيّة ؛ إذ ليس في المقام مناط منقّح ، وكذا الكلام في احتجاجه بالرواية المشار إليها ، فإنّها أيضا عامّة ـ فإن سلمت عنده سندا ودلالة ـ فهي مقتضية للنجاسة مطلقا ، وإلّا فلا وجه للاستناد إليها أصلا ، إلّا أن يدّعي التخصيص فيها أيضا ، فيبقى الكلام معه في المخصّص ، وليس له ما يصلح لذلك ، نعم يبقى فيها شيء ستسمعه مع دفعه.
__________________
(١) الخلاف ١ : ١٨١ المسألة ١٣٧.
(٢) الخلاف ١ : ١٧٩ المسألة ١٣٥.
(٣) الوسائل ١ : ٢١٥ ب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ح ١٤ ـ نقله في الذكرى ١ : ٨٤.