بين المنفصل من الغسلتين وإن كان لا يفهم من الأخبار ، ولكنّه قريب من الاعتبار » ، ثمّ قال : « وهو كذلك ، إلّا أنّه بمجرّده لا يمكن الاعتماد عليه في تأسيس حكم شرعي » (١) انتهى.
أقول : لا يخفى عليك أنّه لا مخالفة بيننا وبين الشهيد في أصل المذهب ، وما صار إليه من الفرق بين الغسلتين كلام له راجع إلى ما يتفرّع على هذا القول ، ووجهه ضعيف جدّا ، وبعد الغضّ عنه فالمتّبع هو ما يقتضيه الأدلّة الشرعيّة ، وحيث إنّ من الظاهر البديهي أنّ دليل الأصل في دلالته على اعتبار التعدّد في الغسل عنه كالبول مثلا لا يتناول ما ينفصل من الغسلة عنه ؛ لعدم دخوله في مسمّى البول ولا الدم ولا غيرهما من النجاسات ، ليس في البين مناط يكون منقّحا من نصّ الشارع ، أو تنبيهه عليه بضرب من الدلالة المعتبرة ، فلا جرم يكون اعتبار التعدّد بالنسبة إلى الغسلة الاولى قولا بلا دليل في ظاهر الحال ، كما أنّ الاقتصار على المرّة في الغسلة الثانية استنادا إلى ما ذكر أخذ بموجب الاستحسان الصرف وليس من مذهبنا ، فلا يبقى ما يصلح لأن يكون مرجعا إلّا الأصل المشار إليه ، وقد عرفت أنّ مقتضاه الاكتفاء بالمرّة حتّى يثبت اعتبار الزائد بالدليل ، فلا بدّ من اتّباع الأصل.
وأمّا ثالثها : فالقول بالنجاسة إن كان من الغسلة الاولى والطهارة إن كان من الغسلة الثانية ، وحاصله يرجع إلى أنّ الغسالة كالمحلّ بعد الغسلة ، ولازمه التفصيل المذكور فيما يعتبر فيه الغسل مرّتين ، وإطلاق هذا القول بالقياس إلى أنواع المحلّ المتنجّس من الثوب والبدن والإناء ولو في ولوغ الكلب محكيّ ـ كما في الشرح المتقدّم للأستاد (٢) ـ عن العلّامة الطباطبائي ، وكلّ من قال بأنّ الغسالة كالمحلّ بعدها ، ونسب ذلك أيضا إلى الشيخ في الخلاف (٣) ، ولكن المنقول منه أنّه خصّصه بالمستعمل في تطهير الثوب ، وأمّا المستعمل في الآنية فلا ينجّس عنده مطلقا ، سواء كان من الاولى أو غيرها ، فله تفصيل حينئذ أوّلا بين الثوب والآنية ، ثمّ في الثوب بين الغسلة الاولى وغيرها ، بل ظاهر عبارته المنقولة عنه في الآنية يقتضي اختصاص ذلك بالولوغ ، حيث إنّه في موضع من الخلاف قال : « إذا أصاب من الماء الّذي يغسل به الإناء من ولوغ الكلب ثوب الإنسان أو جسده
__________________
(١) الحدائق الناضرة ١ : ٤٨١.
(٢) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ـ ١ : ٣٣٤.
(٣) الخلاف ١ : ١٧٩ المسألة ١٣٥.