على عموم قاعدة الانفعال ـ وسبب طهارة المحلّ بعد الانفصال هو تحقّق الغسل واستكماله بالانفصال ، فيجب إعمال السببين لإمكانه وعدم مانع عنه.
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ بعض مشايخنا العظام قدسسره (١) بعد ما توهّم المعارضة بين قاعدة انفعال القليل وقاعدة أنّ المتنجّس لا يطهّر ، بالغ في ترجيح تلك القاعدة على قاعدة الانفعال ، وذكر في ذلك امورا كثيرة ، ليس شيء منها بشيء.
منها : ما أشار إليه (٢) في صدر البحث ، من أنّ الحكم بنجاسة الغسالة مطلقا فيه من العسر والحرج ما لا يخفى.
وفيه : أنّ هذا كلام لا يساعدنا الوجدان على تعقّله ، فإنّا نجد المتشرّعة متحرّزين في جميع الأعصار والأمصار عن الغسالة بجميع لوازمها العادية من دون أثر للعسر والحرج فيه ، ومع ذلك فهذا العسر إن كان بالنسبة إلى البلّة الباقية في المحلّ فالتزام الحكم بطهارتها لئلّا يلزم العسر والحرج ليس بأبعد من التزام طهارة الغسالة رأسا لئلّا يلزم العسر والحرج ، مع أنّ في الأوّل جمعا بين القاعدتين : قاعدة الانفعال وقاعدة طهارة المتنجّس بالغسل المستلزمة لطهارة البلّة الباقية ، بخلاف الثاني لاستلزامه طرح القاعدة الاولى ، وإن كان بالنسبة إلى اليد الغاسلة وغيرها من آلات الغسل فهي ممّا لا بدّ من تنجّسها على كلّ حال ، لملاقاتها المتنجّس أو النجس برطوبة ، وإلّا لزم طرح قاعدة اخرى وهي : « أنّ ملاقي النجس أو المتنجّس برطوبة يتنجّس » ، ومع ذلك أيّ عسر من جهته بعد جريان طريق التطهير وهو الغسل بالقياس إليها أيضا؟ مع قوّة احتمال جريان قاعدة التبعيّة هنا ، بل يمكن عليه دعوى السيرة وعمل المتشرّعة.
وهنا احتمالات اخر لتقريب دعوى لزوم العسر والحرج لا ينبغي الإطناب بذكرها ، لخلوّه عن الجدوى ، مع أنّ أقصى ما يترتّب على العسر والحرج المنفيّين في الشريعة إنّما هو رفع التكليف ، وهو وجوب التحرّز لا رفع النجاسة ، فلا ملازمة أيضا.
ومنها : عدم وجود أثر لها ـ أي لنجاسة الغسالة هنا ـ فيما وصل إلينا من الأخبار بالخصوص مع عموم البلوى والابتلاء بها ، واشتمالها على كثير من فروعها الدقيقة مثل القطرات ويد المباشر ونحوهما ، ولذلك قال في الذكرى : « والعجب خلوّ كلام أكثر
__________________
(١ و ٢) كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري رحمهالله ـ ١ : ٣٢٨ و ٣١٧.