يأتي في كلام كثير من أهل اللغة من تفسير « الطهور » بالطاهر المطهّر ، أو المطهّر فقط ؛ لعدم ابتناء كلامهم على دعوى كونه من جهة المبالغة ، كيف ولا إشارة في كلام [واحد منهم بذلك] (١) وإن سبق إلى بعض الأوهام كما ستعرفه ، بل أقصى ما يقضي به نصّهم إنّما هو كون ذلك من مقتضى الوضع الشخصي الثابت له بإزاء المطهّر ، ولعلّه وضع عرفيّ محدث وارد على الوضع اللغوي النوعي ، بل الالتزام به في تصحيح كلامهم ممّا لا محيص عنه عند التحقيق ، كما ستعرفه.
ومن جميع ما قرّرناه ينقدح حينئذ فساد الوجه الثاني الّذي ذكره الشيخ ، فإنّ ما ذكره مخالف لقانون الاشتقاق ، المقتضي لسراية مأخذ الاشتقاق في المشتقّ ، المقتضية لكون المشتقّ تابعا لمأخذ اشتقاقه ، حتّى في التعدية واللزوم ، ولزوم الفاعل دليل محكم وشاهد عدل على لزوم المأخذ ، وهو ملازم للزوم المشتقّ الآخر وهو « فعول » ، وإلّا حصل التخلّف ، وهو كما ترى غير معقول.
وأمّا ما استشهد به من كثرة اعتبار التعدية في أسماء المبالغة وإن فرض الفاعل لازما ، فليس ممّا يشهد له بكون « طهور » أيضا من هذا الباب ، إن أراد به اعتبارها مطلقا ولو على سبيل التجوّز ؛ ضرورة أنّ ثبوت التجوّز في موضع لقرينة دلّت عليه لا يقضي بثبوته في سائر المواضع ، ولا سيّما في الموضوعات النوعيّة الّتي أشخاصها ألفاظ مستقلّة في حدّ أنفسها تباين بعضها بعضا ، فلا ينبغي مقايسة بعضها على بعض في وصفي الحقيقة والمجاز.
وإن أراد به اعتبارها على سبيل الحقيقة ، فهو يخالف قانون الاشتقاق ، مضافا إلى ما ثبت في المشتقّات من الوضع النوعي ، هذا مع ما في الاستشهاد بقول الشاعر من الغفلة عن حقيقة الحال.
أمّا أوّلا : فلتوجّه المنع إلى كون « كليل » في الشعر المذكور متعدّيا ، عاملا على المفعوليّة في « الموهن » ، الّذي هو عبارة عن ساعات الليل ، أو نحو من نصفه ، أو ما بعده بساعة ، وإن توهّمه سيبويه ـ على ما حكاه عنه الشارح الرضي (٢) ـ فيما ادّعاه من أنّ :
__________________
(١) أثبتناه لاستقامة العبارة.
(٢) شرح الكافية : ٢ : ٢٠٢.