صلوحها دليلا مستقلّا بالإرسال الّذي لا جابر له ، وإن عمل بها العلّامة في المنتهى (١).
وأمّا الروايات الباقية فليس فيها أيضا ما يصلح للاستناد إليه بحكم الضعف والارسال إلّا موثّقة العلل ، والظاهر أنّها مستند الصدوق (٢) فيما عرفت عنه ، وهي عند التحقيق لا تعارض ما ذكر أصلا ، لعدم وضوح دلالتها على نجاسة ولا على طهارة ، فإنّ قوله عليهالسلام : « وفيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني » إمّا أن يكون قيدا للموضوع ، ليكون مفاد الرواية : المنع عن غسالة الحمّام حال كونها يجتمع فيها غسالة هؤلاء ، الموجبة لتنجّسها ، وحاصله اعتبار العلم بملاقاة النجاسة ، فلا تتناول صورة الشكّ.
أو يكون علّة للحكم ، فيكون المنع على الإطلاق لتلك العلّة الموجبة للنجاسة في مطلق الغسالة ، مع تعيّن حمل القضيّة على الغلبة دون الدوام ، صونا لها عن الكذب ، فتكون شاملة لصورة الشكّ أيضا ، غير أنّه لا يتعيّن الحمل على هذا المعنى بعد قيام احتمال آخر مساو له ، مع إمكان دعوى الظهور فيه كما لا يخفى.
هذا مضافا إلى قوّة احتمال كون المقصود على الاحتمال الثاني تعليل الحكم بما يكون من مقولة الحكمة ـ وهي علّة التشريع ـ دون العلّة الحقيقيّة ، فيكون محصّل المعنى : أنّ غسالة الحمّام لكونها معرضا لأن يجتمع فيها غسالة هؤلاء وأهلا له ، فمن حكمها أن لا يغتسل بها ، وحينئذ كما ترى خرج عن الدلالة على النجاسة بالمرّة.
مضافا إلى احتمال النهي الوارد فيها لكونه تنزيهيّا احتمالا قويّا ، بقرينة ما سنذكر من رواية عليّ بن جعفر ، وإلى ما سبق آنفا من الكلام في دلالة هذه الرواية ونظائرها من جهات اخر.
فالإنصاف : أنّه لا دلالة ثابتة معتبرة على نجاسة غسالة الحمّام في غير صورة العلم بملاقاة النجاسة ، مع عدم سبق الكرّيّة ، فمقتضى الاصول ـ مضافة إلى الصحيحتين وغيرهما ـ الحكم عليها بالطهارة ، ولو مع الظنّ بتحقّق السبب ، ظنّا مستندا إلى العادة والغلبة.
وأمّا صورة العلم بتحقّق السبب مع عدم سبق الكرّيّة ، فعلى مقتضى القاعدة المتقدّمة في القليل الملاقي للنجس ، كما أنّ صورة التغيّر بالنجاسة مع سبق الكرّيّة على قاعدة التغيّر الموجب للنجاسة ، ولا مانع عن شيء من ذلك في المقام ، إلّا ما عساه يقال : من
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ١٤٧.
(٢) الفقيه ١ : ١٠.