الأصغر مع الحدث الأكبر أمران متغايران ، دلّ على تغايرهما الشرع بما رتّب على كلّ أحكاما غير الأحكام المترتّبة على الآخر ، كما يفصح عن ذلك حرمة دخول المسجدين ، واللبث في سائر المساجد ، وقراءة سور العزائم ، وكراهة الأكل والشرب والنوم بلا وضوء ولا تيمّم مع الثاني ، وانتفاء هذه الأحكام بأسرها مع الأوّل ، واعتبار الموالاة والترتيب بين أجزاء العضو في الأوّل دون الثاني ، ومن البيّن : أنّ اختلاف اللوازم ممّا يكشف عن اختلاف الملزومات.
فحينئذ يتّجه أن يقال ـ في هدم الاستدلال ـ إنّ رفع الحدث في بيان ما ادّعي من عدم إمكان الاجتماع إن اريد به رفع الأصغر ، فهو لا يقتضي زوال الطهوريّة عمّا استعمل فيه ، ولا يدخل فيه رفع الأكبر لما بيّنّاه من المغايرة بينهما ، وإن اريد به رفع الأكبر ، فلو قيل فيه : بأنّه يقتضي زوال الطهوريّة ، فهو ممّا لا رادع له إلّا القياس الباطل ، وتتميمه بأصالة عدم زوال الطهوريّة ممّا يرفع الحاجة إلى تحمّل المشقّة في نظم هذا الوجه العليل بطوله ، وإن اريد به المعنى الأعمّ فمرجعه إلى الخلط بين المسألتين ، فلا يصغى إليه جدّا.
وعاشرها : عدّة من الروايات الّتي منها : ما في التهذيب ـ من الصحيح ـ عن عليّ بن جعفر ، عن أبي الحسن الأوّل عن الرجل يصيب الماء في ساقية ، أو مستنقع ، أيغتسل منه للجنابة ، أو يتوضّأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره؟ والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ، ولا مدّا للوضوء ، وهو متفرّق فكيف يصنع؟ وهو يتخوّف أن تكون السباع قد شربت منه؟ فقال : « إن كانت يده نظيفة فليأخذ كفّا من الماء بيد واحدة ، فلينضحه خلفه ، وكفّا أمامه ، وكفّا عن يمينه ، وكفّا عن شماله ، فإن خشي أن لا يكفيه ، غسل رأسه ثلاث مرّات ، ثمّ مسح جلده بيده ، فإنّ ذلك يجزيه ، وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ، ورجليه ، وإن كان الماء متفرّقا فقدر أن يجمعه ، وإلّا اغتسل من هذا وهذا ، وإن كان في مكان واحد ، وهو قليل ، لا يكفيه لغسله ، فلا عليه أن يغتسل ، ويرجع الماء فيه ، فإنّ ذلك يجزيه » (١).
واعلم أنّ صحّة الاستدلال بتلك الرواية وسقمه يستدعي معرفتهما النظر في فهم
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢١٦ ب ١٠ من أبواب الماء المضاف ح ١ ـ التهذيب ١ : ٤١٦ / ١٣١٥.