غير أنّه لا محيص من تنزيله إليها ، أو دعوى ابتنائه على تحقّق النقل ؛ لعدم انطباق المعنى المذكور على ما هو مقتضى القياس اللغوي في « فعول » بحسب ما ثبت فيه من الوضع النوعي بإزاء المعنى المبالغي ، أو المعنى الوصفي المعبّر عنه بلفظ « فاعل » ، والوجه ما تقدّم ، فلا بدّ وأن يستند هذا المعنى بوضع آخر لاحق بالوضع الأوّل النوعي ، متعلّق بلفظ « طهور » (١) بالخصوص ، ولا نعني من النقل إلّا هذا.
ويؤيّده أيضا : أنّ ما يذكره أهل اللغة ليس ممّا يتلقّونه عن الواضع الأوّل ، بل إنّما يأخذونه عن عرف أهل زمانهم ، بملاحظة الاستعمالات الدائرة فيما بينهم ، ومراجعة الأمارات الكاشفة عن أوضاعهم ، فيكون ذلك الّذي ذكروه للفظ « طهور » معنى عرفيّا مستفادا عن أهل اللسان ، لا معنى أصليّا مستفادا عن واضع أصل اللغة ، ولا ينافيه ما في تعبيرات بعضهم ـ فيما تقدّم ـ بقولهم : « في اللغة » ، لأنّ اللغة لها إطلاقات وهي في كلامهم عبارة عن عرف أهل اللسان ، أو الألفاظ المتداولة فيما بينهم المستعملة في محاوراتهم ، والنسبة بينها بهذا المعنى وبينها بمعنى عرف الواضع ، أو الألفاظ الموضوعة الّتي وصل وضعها منه عموم من وجه ، كما يظهر بأدنى تأمّل.
لا يقال : حمل كلامهم على هذا المعنى ، والتزام ابتنائه على تحقّق النقل ، ينفيه الأصل ، وقضيّة ذلك كون « طهور » بهذا المعنى واصلا عن الواضع ، ومعه لا معنى لدعوى النقل في تلك اللفظة.
لأنّ التزام النقل بملاحظة ما ذكرناه ممّا لا محيص عنه ، وإن قلنا بأنّ المتصدّي لوضعها بإزاء هذا المعنى هو الواضع ؛ لأنّ المفروض لحوق هذا الوضع بالوضع الأوّلي المتعلّق بالفعول نوعا ، فيكون اللفظ مخرجة عن مقتضى الوضع الأوّلي النوعي إلى المقتضى الوضع الثانوي ، من غير فرق بين كونه صادرا عن الواضع أو أهل العرف على
__________________
(١) لا يذهب عليك أنّ هذا النقل إنّما تحقّق في تلك اللفظة من جهات ثلاث.
أحدها : في مدلولها المادّي ، لصيرورته متعدّيا.
وثانيها : في مدلولها الهيئي بالنظر إلى المعنى الوصفي أو المبالغى ، وثالثها : في مدلولها الهيئي أيضا بالنسبة إلى ما أخذ فيه من النسبة ؛ لأنّ نسبة التطهير إنّما هي للمكلّف فاعتبرت هنا بالنقل للماء الّذي هو آلة بين المكلّف والتطهير ، فتأمّل ، (منه).