غير أنّه يمكن دفعه بظهور كون ذلك تقدير الماء يوجب العلم بتحقّق السبب ، بقرينة قوله عليهالسلام ـ عقيب تلك ـ : « فإن كان الطريق نظيفا لم تغسله » فإنّ ذلك يوجب تقييد الحدّ المذكور بعدم نظافة الطريق ، أي عدم خلوّه عن النجاسة العينيّة ، ولا ريب أنّ مضيّ هذا المقدار من الزمان مع عدم نظافة الطريق ممّا يورث العلم العادي بتحقّق السبب ، سيّما إذا كثر فيه المستطرقون.
نعم ، هنا روايات اخر تعارض بظاهرها ـ بل صراحة بعضها ـ الروايات المتقدّمة في مفادها.
منها : خبر عبد الله بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إنّي أدخل سوق المسلمين ـ أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام ـ فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها : أليس هي ذكيّة؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة؟ فقال : لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الّذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة ، قلت : وما أفسد ذلك ، قال : « استحلال أهل العراق الميتة ، وأنّ دباغ الجلد الميتة ذكاته ، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله صلىاللهعليهوآله » (١) وجه الدلالة : أنّه عليهالسلام علّل في المنع المذكور بقضيّة استحلال أهل العراق الميتة ، وهي كما ترى قضيّة غالبيّة ، فلو لا الغلبة معتبرة في نظر الشارع لما صلحت جهة للمنع.
ومنها : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة في الفراء؟ فقال : كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما رجلا صردا (٢) لا تدفئه فراء الحجاز ، لأنّ دباغها بالقرظ (٣) ، وكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلهم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه ، وألقى القميص الّذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك؟ فيقول : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ويزعمون أنّ دباغه ذكاته » (٤).
ومنها : حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : يكره الصلاة في الفراء إلّا ما صنع
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٥٠٣ ب ٦١ من أبواب النجاسات ح ٤ ـ الكافي ٣ : ٣٩٨ / ٥.
(٢) الصّرد بفتح الصاد وكسر الراء المهملة من يجد البرد سريعا ، ومنه رجل مصراد لمن يشتدّ عليه البرد (مجمع البحرين).
(٣) القرظ بالتحريك ورق السّلم يدبّغ به الأديم (مجمع البحرين).
(٤) الوسائل ٤ : ٤٦٢ ب ٦١ من أبواب لباس المصلّي ح ٢ و ١ ـ الكافي ٣ : ٣٧٩ / ٢.