وبين الزائد بوصف أنّه زائد ، أمكن اعتبار التخيير فيها بينهما بدعوى : كون مناط الفرديّة في كلّ منهما هو القصد والنيّة ـ كما عليه بعضهم ـ أو وصفي الزيادة والنقصان من حيث إنّهما متقابلان تقابل الملكة والعدم ، وقد لاحظهما الشارع ووجدهما مشتملتين معا على خصوصيّة معتبرة في أفراد المخيّر فيه المتشاركتين في المصلحة الداعية إلى إيجاب التخيير ، كما فصّلناه في تحقيقاتنا الاصوليّة.
هذا شيء يتكلّف على تقدير وجوب النزح ، وإلّا فعلى تقدير استحبابه ـ كما هو الأظهر ـ فلا حاجة إلى شيء من التكلّف ، لأنّ مراتب الاستحباب ممّا يقبل الاختلاف في زيادة الرجحان ونقصانه إلى أن يبلغ مرتبة رجحان الوجوب ، ومع بلوغه له يسقط حكم التخيير فيما بين المراتب الباقية المندرجة تحت الرجحان الملزم ، وإن أمكن اختلافها في القوّة والضعف لو فرضنا المزيّة في ذي المزيّة بنفسها كافية في الإيجاب والإلزام ، فإنّ ذلك ممّا يقضي بإيجاب التعيين ، ولا يقبل التخيير بينه وبين الفاقد لتلك المزيّة وتمام الكلام في محلّه.
كما أنّه على ثانيهما (١) إمساك عن بيان الواقع مع التنبيه الإجمالي على أنّ السؤال الكاشف عن الاعتقاد ليس على ما ينبغي ، وهو كما ترى ممّا لا يستقيم إلّا إذا لم يكن المقام مقتضيا لبيان الواقع ، فلو لا السؤال على خلاف الواقع لم يعقل مانع عن بيان تفصيله ، لموافقته ما عليه العامّة الّذين يكون التقيّة في مواردها من جهتهم ، وأصالة عدم الخوف والتقيّة ـ على فرض جريانها في المقام ، مع ملاحظة ما ذكر سابقا من وجود دواعيها ـ يعارضها أصالة عدم اقتران الخطاب بما يفيد بيان التعيين ، لأنّ ذلك لا يجدي نفعا إلّا على تقدير فرض السائل سائلا عن تعيين المطهّر ، وكون الجواب متضمّنا لما يحصل به الغرض.
فالأولى حمل الجواب على هذا الوجه الثاني ، بدعوى : أنّ الإمام عليهالسلام أهمل في جوابه ـ لداعي الخوف ـ عن الردع القائم في خصوص مورد هذا السؤال ، مؤخّرا له إلى مقام يقتضيه بتجرّده عن دواعي الخوف ، فردعه بما صحّ عنه من الرواية المتقدّمة الّتي هي أوّل روايات الطهارة في وقت آخر ، إذ المفروض أنّ هذه الرواية مع ما استدلّ بها
__________________
(١) أى على ثاني الوجهين الأوّلين الّذي أشار إليهما بقوله : « فتعيّن حينئذ أحد الوجهين الأوّلين » الخ.