على النجاسة صحّتا معا عن ابن بزيع ، فليحمل كلام الإمام عليهالسلام في إحداهما على الإهمال الناشئ عن الخوف لوجود دواعيه حين صدوره ، وفي اخراهما على بيان الواقع المفيد للردع ، لعراء مقام صدوره عن تلك الدواعي ، ومع الغضّ عن جميع ذلك فنقول : إنّ هاتين الروايتين مع صحّتهما معا ، واتّحاد الطريق فيهما متعارضتان جزما ، فلا بدّ إمّا من الجمع بينهما بإرجاع إحداهما إلى الاخرى باعتبار الدلالة ، أو جهة الصدور ، أو مراجعة الترجيح فيما بينهما ، أو إرجاعهما إلى باب التعادل المقتضي للتخيير فيما بينهما ، وعلى كلّ تقدير كان المتعيّن العمل بالرواية القاضية بالطهارة.
أمّا على التقدير الأوّل : فلأنّ بناء العمل على رواية النجاسة بجعلها حاكمة على رواية الطهارة يستلزم فساد الاستثناء الواقع فيها ، لابتناء صحّة هذا الاستثناء على اعتبار المستثنى منه ملاقاة النجاسة أعمّ من المغيّرة وغير المغيّرة ، فلو أخرجت الملاقاة المغيّرة بالاستثناء والملاقاة الغير المغيّرة برواية النجاسة لزم كذب المستثنى منه.
ولا يرد نظير ذلك في عموم أدلّة التغيّر المتقدّمة الّتي منها : النبوي « خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء ، إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » (١). بعد الجمع في تخصيصها بين الاستثناء الوارد فيها وأدلّة انفعال القليل ، لأنّ مرجع هذين التخصيصين إلى تخصيص « شيء » بما عدا النجاسة المغيّرة باستثناء المذكور ، وتقييد « الماء » بالكرّ بموجب أدلّة انفعال القليل ، ولا يلزم من ذلك محذور من حيث كون لفظة « الماء » أعمّ من الكرّ ، ولفظة « شيء » أعمّ من النجاسة المغيّرة والنجاسة الغير المغيّرة ، وبعد ارتكاب التقييد مع التخصيص المذكورين يبقى تحت اللفظين الكرّ وما زاد عليه مع النجاسة الغير المغيّرة ، فصدق بذلك المستثنى منه جزما ، ولا يتأتّى نظير هذا الفرض في المقام ، لأنّ مبنى الاستدلال برواية النجاسة على دعوى : نجاسة ماء البئر ـ وإن كان كرّا ـ بملاقاة النجاسة ولو لم يكن مغيّرة ، فلا يبقى تحت المستثنى منه شيء.
ولو قدّرنا المستثنى عامّا بالقياس إلى ملاقاة النجاسة وعدم ملاقاتها لزم فساد آخر ، وهو كون السلب الوارد فيه من باب السالبة المنتفية الموضوع ، ولو قدّرناه عامّا بالقياس إلى ملاقاة النجاسة وملاقاة ما عدا النجاسة لزم فساد ثالث ، وهو حمل
__________________
(١) سنن البيهقي ١ : ٢٥٩ ، كنز العمّال ٩ : ٣٩٧ ح ٢٦٦٥٢ ، ورواها أيضا في المعتبر : ٨.