المستثنى منه بعد الاستثناء والتخصيص على ملاقاة غير النجاسة ، فيرجع مفاده إلى أنّ ملاقاة غير النجاسة لا يوجب فساد الماء ، وهو كما ترى من باب توضيح الواضحات ، وهو كما ترى ممّا لا ينبغي حمل كلام الحكيم عليه.
فلا بدّ من تطرّق التصرّف إلى رواية النجاسة ، إمّا بحملها على التقيّة ، أو بحمل « التطهير » الوارد فيها مع ضميمة التقرير على رفع الاستقذار وتنفّر الطبع ، وليس شيء من ذلك بعيدا في مقابلة المحاذير المذكورة ، مع وجود ما يقرّبهما معا ، أمّا الأوّل : فلما مرّ من قيام دواعي التقيّة ، وأمّا الثاني : فلورود لفظ « التطهير » في الروايات على هذا المعنى.
وأمّا على التقدير الثاني : فلوضوح أنّ الترجيح في جانب رواية الطهارة لموافقتها الأصل ، والعمومات القرآنيّة القاضية بطهارة الماء بحسب الخلقة الأصليّة ، ومخالفتها لمذهب العامّة ، وكونها بعضا من مجموع الأخبار المتقدّمة الّتي أكثرها معتبرة فيما بين صحاح وموثّقات ، فإنّ المعارضة في الحقيقة فيما بين مجموع تلك الأخبار والأخبار المذكورة للقول بالنجاسة ، ولا ريب أنّ الكثرة من المرجّحات ، وليس في جانب تلك الأخبار إلّا الإجماعات المنقولة والشهرة العظيمة ، وهي موهونة بقوّة المخالف ، والعلم باستنادها إلى أدلّة ضعيفة غير واضحة الدلالة ، الغير السليمة عن قصور جهة صدورها ، ولا ينبغي اعتبار الكثرة فيها بضمّ أوامر النزح الواردة في أنواع النجاسات ـ حسبما يأتي تفصيلها ـ لأنّ ذلك فرع سلامة تلك الأوامر عمّا يزاحمها ممّا يقتضي حملها على الاستحباب ، وستعرف قيام ذلك في المقام من وجوه عديدة.
وأمّا على التقدير الثالث (١) : فلأنّ المقام ـ مع أنّه ليس من جزئيّات التعادل ، لما عرفت من وجوه المرجّح من جهات عديدة ـ قابل لاختيار كلّ من المتعارضين ، فلم لا يختار أخبار الطهارة ، مع أنّ العمل بها عمل بالأصل ، وعمومات الطهارة ، والأدلّة النافية للعسر والحرج ، وعمومات السمحة السهلة.
وبجميع ما قرّرناه في الوجه الأخير من البداية إلى تلك النهاية ينقدح الجواب عن الأخبار الاخر ، فإنّ طريق الاستدلال بها واحد ، وإن كان بعضها أظهر في الدلالة على الانفعال من البعض الآخر فيكون طريق الجواب أيضا واحد ، وإن كان لا يجري بالنسبة
__________________
(١) وفي الأصل : « وأما على التقدير الثاني » ، والصواب ما أثبتناه في المتن نظرا إلى السياق.