واختلف في وجه اعتبار الدفعة بهذا المعنى ، فقد يقال : بأنّه يحتمل أن يكون ذلك لأجل تحصيل الامتزاج ، فإنّ الوقوع دفعة يوجب ذلك غالبا بل دائما ، وعن حاشية الروضة لجمال المحقّقين : « إنّ في صورة إلقاء الكرّ دفعة يتحقّق الممازجة ، وإنّما الخلاف في اشتراط الممازجة فيما يلق دفعة » (١).
وأن يكون اعتبارها مختصّا بصورة الإلقاء دون الاتّصال الّذي يحصل فيما بين الغديرين المتواصلين ، تحرّزا عن اختلاف سطوح المطهّر فينفعل السافل منه بالملاقاة ولا يتقوّى الجزء العالي منه.
وأن يكون ذلك لاستصحاب النجاسة ولزوم الاحتياط في إزالتها بعد ذهاب جماعة إلى الدفعة ، وعن حاشية الروضة (٢) ـ المشار إليها ـ الاعتماد عليه.
وأن يكون الوجه فيه ما ذكره في جامع المقاصد : « من ورود النصّ بالدفعة وتصريح الأصحاب بها » (٣).
بل قد يقال : بأنّ ذلك هو غاية ما يمكن الاستناد فيه إليه ، وأمّا ما في المدارك من المناقشة فيه : « بأنّا لم نعثر عليه في كتب الحديث ، ولا نقله ناقل في كتب الاستدلال » (٤) فغير قادح في الاعتبار ، إذ عدم الوجدان لا يقضي بعدم الوجود ، ونسبته إلى تصريح الأصحاب مع ما في الحدائق (٥) من نسبته إلى المشهور بين المتأخّرين جابران لهذا المرسل ، مع أنّ استصحاب النجاسة محكّم ولا بيان لكيفيّة التطهير.
هذا كلّه : مع التأييد بأنّ مع التدريج ينجّس كلّ جزء يصل إلى الماء النجس لعدم تقوّي السافل بالعالي.
وأنت خبير بما في هذه الوجوه من الوهن الواضح.
أمّا الوجه الأوّل : فلأنّ النسبة بين الدفعة والممازجة ـ على ما يشهد به التأمّل الصادق ـ عموم من وجه يجتمعان في مادّة ويفترقان في اخريين ، ولذا ترى أنّ العلّامة
__________________
(١) حاشية الروضة البهيّة ـ للخوانساري رحمهالله ـ (الطبعة الحجريّة) : ١٢ في ذيل قول المصنّف : « وكذا لا يعتبر ممازجته » الخ مع اختلاف يسير في العبارة.
(٢) حاشية الروضة البهيّة ـ للخوانساري ـ (الطبعة الحجريّة) : ١٢ حيث قال : « فيكفي لنا دليلا على اعتبارها ذهاب جمع من الأصحاب إلى اعتبارها وعدم دليل لنا على التطهير بدونها فتأمّل ».
(٣) جامع المقاصد ١ : ١٣٣.
(٤) مدارك الأحكام ١ : ١٤٠.
(٥) الحدائق الناضرة ١ : ٣٣٧.