في المنتهى مع أنّه صرّح باعتبار الدفعة (١) أنكر على بعض الأصحاب ـ وهو المحقّق على ما هو ظاهر ما تقدّم ـ اعتبار الممازجة ، مصرّحا في الغديرين المتواصلين بكفاية الاتّصال الموجود هنا (٢).
فما عرفت عن جمال المحقّقين من أنّ في صورة إلقاء الكرّ دفعة يتحقّق الممازجة في حيّز المنع ؛ لعدم الملازمة بينهما كما لو وضع على الماء المتنجّس كرّ محرز في إناء على وجه يتحقّق معه المماسّة بين سطحيهما بدون مداخلة ، وعلى فرض تسليم استلزامه المداخلة لا محالة فهي ليست من الممازجة المقصودة هنا ، بل هي مداخلة في الجملة فتكون أعمّ أيضا.
وأمّا الوجه الثاني : فلأنّه تقييد في إطلاق كلامهم من وجهين ؛ فالتقييد الأوّل ينافي إطلاق اشتراطهم الدفعة كالمحقّق والعلّامة في المعتبر (٣) والمنتهى (٤) ، كما أنّ التقييد الثاني ينافي إطلاقهم في عدم انفعال الكرّ بالملاقاة ، المقتضي لعدم الفرق بين استواء السطوح واختلافها ، المستلزم لأن يكون كلّ من الأعلى والأسفل متقوّيا بالآخر كما في الكتابين أيضا.
والظاهر أنّ مرادهم بالدفعة ما يعمّ إلقاء تمام الكرّ عليه في آن واحد عرفي ، ووصله إليه إذا كان في غدير يمكن وصله إليه ، ومنه مسألة الغديرين المتواصلين ، لأنّ مناط نظرهم ـ على ما عرفت من الملازمة الثالثة ـ حصول عنوان الوحدة فيما بين الماءين من حين اللقاء ولا يتأتّى ذلك إلّا بأحد الوجهين ، هذا مضافا إلى ما ستعرف في الاعتراض على ما يأتي عن صاحب المدارك والمعالم.
وأمّا الوجه الثالث : فلأنّ الاستصحاب ـ مع أنّ المقصود من اعتبار الدفعة إحراز شرط لا حاجة له عند التحقيق إليها وهو الوحدة بين الماءين ـ ليس في محلّه.
وأمّا الوجه الرابع : فلأنّ النصّ المدّعى وروده ممّا لا أثر له أصلا ، وإلّا كانت العادة قاضية بنقله إلينا وضبطه في الكتب لعموم البلوى به ومن هنا أنكره في المدارك (٥) ، ولو سلّم فهو مرسل لا جابر له ، إذ ما تقدّم ممّا ادّعي كونه جابرا لا يصلح جابرا كما هو
__________________
(١ و ٤) منتهى المطلب ١ : ٦٤.
(٢) منتهى المطلب ١ : ٥٤ ـ ٥٣.
(٣) المعتبر : ١١.
(٥) مدارك الأحكام ١ : ٤٠.