واضح ، مع إمكان كون مراد من ادّعاه به غير معناه المصطلح عليه على أن يكون عطف تصريح الأصحاب عليه تفسيرا له.
فتحقيق المقام أن يقال : إنّ الدفعة إن اريد بها ما يكون شرطا تعبّديّا فالمتّجه منع اعتبارها ، لانتفاء الدلالة عليه شرعا.
وإن أريد بها ما يكون مقدّمة لإحراز الوحدة بين الماءين ـ الكرّ والمتنجّس ـ الرافعة للتمييز بينهما ، فاعتبارها ممّا لا محيص عنه ، بناء على ما تقدّم من الملازمة المتوقّفة عليها.
ولكن ينبغي أن يراد بالدفعة حينئذ ما يعمّ الإلقاء في آن واحد ، وإيجاد الاتّصال بين الكرّ والمتنجّس في موضع عدم إمكان الإلقاء ، كما لو كانا في حوضين أو غديرين فوصل بينهما على وجه صارا حوضا أو غديرا واحدا ، وذلك ممّا لا يقتضي ممازجة ولا مداخلة ، ولا يكفي فيه إجراء الكرّ إليه على وجه يدخل فيه جزء فجزء وإن لم يحصل الانقطاع في الأثناء ، إذ لا يتحقّق معه الوحدة بينه وبين تمام الكرّ ؛ والوحدة الحاصلة بينه وبين أجزاء الكرّ ليست من الوحدة بينه وبين الكرّ ، وذلك يوجب انفعال كلّ جزء منه يدخل فيه ويتّحد معه ، لا لأنّ الكرّ يشترط في عدم انفعاله مساواة السطوح ، بل لأنّ الجزء المفروض بمجرّد اتّحاده مع الماء المتنجّس يخرج عن كونه جزء من الكرّ ويدخل في عنوان الجزئيّة للماء المتنجّس ، والمفروض أنّه بنفسه غير معتصم فينفعل لا محالة ، بل لو دخل فيه كرور كثيرة بهذا الوجه انفعل المجموع بانفعال أجزائها المجتمعة فيه المتّحدة معه ، كما لو القي عليه مياه قليلة بدفعات متكرّرة.
ولعلّه إلى ما ذكرنا من كفاية الاتّصال الحاصل في بعض الصور ينظر ما نسب إلى الشهيد في الذكرى ؛ وإن كان لا يوافق ما تقدّم عنه فيه (١) أيضا سابقا من الاكتفاء بإلقاء كرّ عليه متّصل مع عدم اشتراط الدفعة.
ولكنّ الإنصاف : أنّ ظاهر مراده بالاتّصال هنا اتّصال أجزاء الكرّ الملقى بعضها ببعض ، احترازا عمّا القي بدفعات متكرّرة على وجه يتحقّق الانفصال فيما بينها ؛ والاتّصال بهذا المعنى أحد المعاني المتقدّمة للدفعة ، فالقول بأنّه لم يشترط الدفعة بإطلاقه في غير محلّه.
ومن هنا ظهر أنّه لا وقع لما عن المحقّق الشيخ عليّ من الاعتراض عليه : « بأنّ فيه
__________________
(١) ذكرى الشيعة ١ : ٨٥.