في النجاسة كان مقتضيا للاستصحاب قبل الالتفات إلى معارض له ، فيكون الاستصحاب المتقوّم به علما شرعيّا بالنجاسة ومعه لا يبقى لاستصحاب الطهارة موضوع ؛ فمعنى تقديم استصحاب عدم الكرّيّة أنّه لا استصحاب هنا يكون معارضا له ؛ لا أنّ هنا استصحابا محقّقا وهو مقدّم عليه ، فإنّه غير معقول لما عرفت من قضيّة لزوم الترجيح بغير مرجّح.
وقد يتّفق في تعارض الاستصحابين ما لا يمكن فيه اعتبار الحكومة ولا الورود ؛ كما لو كان شكّاهما في مرتبة واحدة من غير سببيّة أحدهما للآخر ؛ كما في الكرّ الوارد على الماء المتنجّس تدريجا المقارن للشكّ في تنجّسه مع الشكّ في طهر الماء المسبّبتين عن الشكّ في اشتراط الدفعة في التطهير ؛ ومنه المقام بملاحظة الشكّ في شرطيّة الامتزاج ، فإنّ استصحاب نجاسة المتنجّس يعارضه استصحاب طهارة الكرّ ففي مثل ذلك لا يمكن العمل بأحد الاستصحابين تعيينا ، لأنّ التعيين لا بدّ وأن يكون إمّا من باب الحكومة أو الورود ؛ ولا سبيل إلى الأوّل لعدم إمكانه ولا إلى الثاني لفقد المرجّح المذكور من كون الشكّ في أحدهما علّة للآخر ، فإمّا أن يقال حينئذ بالتخيير ، أو طرحهما معا ، والظاهر أنّ الثاني أيضا ممّا لا سبيل إليه وإن قال به بعض الأصحاب لأنّه يوجب التخصيص في أدلّة الاستصحاب بلا مخصّص ، لأنّ العمل بها في أحد الاستصحابين ممكن ، وعدم العمل بالآخر بعد التخيير ليس من باب التخصيص ، بل من جهة اقتضاء بناء العمل على صاحبه نظير أمر الأبوين في مكان التنافي.
ولو سلّم كونه من باب التخصيص فلا بأس به بالنسبة إلى أحدهما ، لأنّ المانع عن العمل قائم في هذا المقدار فالمخصّص حينئذ هو العقل ؛ هذا كلّه وإن كان كلاما خارجا عن المقام لكن أوردناه هنا لكثرة فوائده ، فلنعد إلى ما نحن فيه فنقول : قد عرفت أنّ منع صغرى أصالة عدم الشرطيّة ممّا لا سبيل إليه.
وأمّا منع الكبرى فقد يسبق إلى الوهم عدم إمكانه أيضا لما ورد في بعض أخبار البراءة ما يعمّ غير موارد التكليف أيضا ، كقوله : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نصّ » فإن (١) النصّ أعمّ من خطاب التكليف ، وخطاب الوضع.
لكنّ الإنصاف : أنّ هذا الخبر على تقدير ثبوته وصحّته وارد في سياق نفي التكليف
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣١٧ وفيه : « نهى » بدل « نصّ ».