يمكن تأخّره عن البلوغ كذا يمكن تقدّمه عليه.
وجوابه أوّلا : أنّه أدلّ على خلاف المقصود من الاستدلال ، ضرورة أنّه لو لا الفرق بين وقوعها قبل بلوغ الكرّيّة ووقوعها بعده لغى أخذ الشكّ قيدا في موضوع الحكم المجمع عليه ، والمفروض أنّه لا إجماع مع عدم اعتبار هذا الشكّ ، فظهر أنّ للشكّ المذكور مدخليّة في الحكم وبطل به دعوى تساوي الحالين مطلقا.
وثانيا : أنّ ذلك من جهة استصحاب الطهارة الأصليّة في الماء ، حيث إنّ بلوغ الكرّيّة مع وقوع النجاسة بكليهما أمران حادثان لا يجري فيهما الأصل ، فيبقى أصالة الطهارة سليمة.
وثالثا : أنّ ذلك لما سبق تحقيقه من أنّ أحكام النجاسة في نظر الشارع معلّقة على العلم بتحقّق أسباب النجاسة ولو شرعا ، وأنّ مشكوك النجاسة عندنا محكوم عليه عنده بالطهارة ، ولا ريب أنّ المقام ممّا لا مدخل له في ذلك ، فبالجملة فرق بين المقامين والفارق هو الإجماع في أحدهما دون الآخر ، مضافا إلى الأصلين المتقدّم إليهما الإشارة.
وقد يجاب عنه ـ بعد ما قرّر بأنّه : لو لم يحكم بالطهارة بذلك لم يحكم بطهارة الماء الّذي وجد فيه نجاسة لم يعلم وقوعها قبل الكرّيّة أو بعدها ـ : « بأنّ الالتزام به ليس من المنكرات فلا يحكم عليه بالطهارة ولا النجاسة ، فهو لا ينجّس الطاهر ولا يطهّر النجس ، فيكون حاله حال المشكوك في كرّيّته إذا لاقته النجاسة في وجه قويّ ، لأنّه كما أنّ الكرّيّة شرط وقد شكّ فيها فكذلك الطهارة شرط وقد شكّ فيها » (١).
وفيه : أنّ ذلك لا يلائم الإجماع المدّعى على الحكم بالطهارة ، وكأنّه غفلة عن كون مستند بطلان التالي هو الإجماع كما يرشد إليه تجريد التقرير المذكور عن ذكره ، وقد وقع التصريح بالاستناد إليه في كلام جماعة على وجه يظهر منهم الاعتراف به ، وحكي الاعتراف به أيضا عن الفاضلين (٢) والشهيد (٣).
هذا مع ما في مقايسة المقام على المشكوك في كرّيّته من الفساد الواضح ، لمنع أصل الحكم في المقيس عليه ، ضرورة أنّ المشكوك في كرّيّته إمّا أن يعلم له حالة سابقة من
__________________
(١) المجيب هو صاحب الجواهر رحمهالله ، راجع جواهر الكلام ١ : ٣١٦.
(٢) قواعد الأحكام ١ : ١٨٤.
(٣) ذكرى الشيعة ١ : ٨١ قال فيه : ولو علمه وشكّ في سبق النجاسة ، فالأصل الطهارة الخ أقول : وهذا كما ترى ليس من الاستناد بالإجماع.