ولكن يتوجّه إليه : أنّ المقام ليس من موارد الاستصحاب لمكان العلم ببقاء النجاسة ، إلّا أن يكون التمسّك به مبنيّا على المماشاة مع الخصم.
وكيف كان فاحتجّ أهل القول بالطهارة بوجوه :
منها : ما عن المرتضى (١) من أنّ البلوغ قدر الكرّ يوجب استهلاكه للنجاسة فليستو وقوعها قبل البلوغ وبعده.
وجوابه : أنّ معنى كون بلوغ قدر الكرّ موجبا لاستهلاك النجاسة أنّ الماء معه لا يتأثّر عمّا يقع فيه من النجاسة العينيّة الغير المغيّرة وما في حكمها في التأثير كالمتنجّس ، كما أنّ معنى كون الماء البالغ قدر الكرّ مستهلكا للنجاسة عدم قبوله أثر النجاسة الواقعة فيه وعدم بروز أثر تلك النجاسة فيه وعروضه له ، بحيث كان وجودها فيه بمنزلة عدمها ، فلو اريد بالمقدّمة الاولى من الدليل هذا المعنى فهو حقّ متين لا سترة عليه ، لكنّه لا يقتضي الاستواء بين وقوعها قبل البلوغ ووقوعها بعد البلوغ ، ضرورة الفرق بينهما كما بين السماء والأرض ، إذ ليس الكلام في أنّه هل يتأثّر أو لا يتأثّر؟ بل في أنّه هل يزول عنه الأثر أو لا يزول؟ ومن البيّن أنّ أحدهما ليس بعين الآخر ولا ملازمة بينهما عقلا ولا شرعا ، فيكون التعدّي عن أحدهما إلى الآخر قياسا ومع الفارق ، ضرورة أنّ الماء في رفعه الأثر الحاصل ربّما يحتاج إلى ما لا يحتاج إليه في دفعه الأثر الغير الحاصل كما هو معلوم من الشرع.
ولو اريد بها ما زاد على هذا المعنى بدعوى : أنّ الكرّيّة في الماء صفة لا تجامعها صفة النجاسة سابقة ولا حقة ، وبعبارة اخرى : أنّ الشرع قد كشف عن كون الكرّيّة مضادّة للنجاسة ولا معنى له إلّا كونها في مقام الرفع رافعة وفي مقام الدفع دافعة ؛ فهو أوّل الدعوى لمنع قيام الدلالة من الشرع على هذا المعنى ، بل القدر المسلّم قيام الدلالة على أنّ سبق الكرّيّة يوجب في الماء قوّة تعصمه عن حصول أثر النجاسة وحدوثه فيه.
ومنها : ما عنه (٢) أيضا من أنّ الإجماع واقع على طهارة الماء الكثير إذا وجدت فيه نجاسة ولم يعلم هل كان وقوعها قبل بلوغ الكرّيّة أو بعده ، وما ذاك إلّا لتساوي الحالين ، إذ لو اختصّ الحكم ببعديّة الوقوع لم يكن للحكم بالطهارة وجه ، لأنّه كما
__________________
(١ و ٢) المسائل الرسيّة الاولى (رسائل الشريف المرتضى ٢ : ٣٦١ و ٣٦٢).