وإلّا احتيج إلى إلقاء كرّ آخر ، والبحث في اعتبار الدفعة والممازجة كما سبق ، فالمتّجه على المختار اعتبارهما هنا أيضا.
ولو اختصّ التغيّر ببعض الكرّ وكان الباقي أيضا كرّا ولم يقطع التغيّر عمود الغير المتغيّر كفى ذلك الباقي في طهر صاحبه ، بشرط تموّج بعضه في بعض تحقيقا للممازجة المعتبرة ، وعلى القول بعدم اعتبارها كفى الاتّصال الموجود هنا ، لكن يشترط على كلا التقديرين زوال التغيّر.
وأمّا الدليل على الطهر في جميع الصور المذكورة هو الدليل المتقدّم في تطهير القليل من الملازمة المجمع عليه.
ويطهّر الكثير أيضا بالجاري وبماء المطر على النحو المتقدّم إليه الإشارة ، وينوط الحكم فيهما أيضا بزوال التغيّر ، فهذا كلّه ممّا لا إشكال فيه.
نعم ، الإشكال في طهره بزوال التغيّر من قبل نفسه ، أو بعلاج من تصفيق الرياح أو وقوع أجسام طاهرة فيه ونحوه ، كما نقل القول به عن يحيى بن سعيد من أصحابنا في الجامع (١) ، وعن العلّامة في النهاية (٢) أنّه تردّد في حصول الطهارة بزوال التغيّر من قبل نفسه خاصّة ؛ وأمّا الباقون فعلى أنّه لا يطهّر به مطلقا ، وقد يجعل ذلك أشهر القولين.
وفي المنتهى : « المشهور أنّه لا يطهّر به » (٣) ، ولم يعرف من أصحابنا عدا من ذكر قائل بالطهر به.
نعم ، في المنتهى نقل تفصيلا عن الشافعي وأحمد من العامّة وهو : « أنّه إن زال التغيّر لطول المكث عاد طهورا ، وإن زال لطرح المسك والزعفران فلا ، لأنّهما ساتران لا مزيلان » ، ثمّ قال : « وفي التراب قولان مبنيّان على أنّه مزيل أو ساتر ».
ثمّ قال : « ولو زال التغيّر بأخذ بعضه لم يطهر وإن كان كرّا ، وكذا لو زال التغيّر بإلقاء أقلّ من الكرّ على الأقوى ، خلافا لبعض علمائنا وللشافعي » (٤).
لكن في المدارك جعل القول الأوّل ـ الّذي ذهب إليه القاضي ـ مبنيّا على ما ذهب إليه من أنّ الماء النجس يطهّر بالإتمام ، ومن هنا صرّح بأنّه في الحقيقة لازم لكلّ من قال بذلك (٥).
__________________
(١) الجامع للشرائع : ١٨.
(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٥٨.
(٣ و ٤) منتهى المطلب ١ : ٦٤.
(٥) مدارك الأحكام ١ : ٤٦ وفيه « الفاضل » بدل « القاضي ».