جهة الاستصحاب كما هو صريح البعض ، أو لمراعاة الاحتياط خروجا عن شبهة الخلاف ، وعملا بجميع ما ورد في هذا الباب من الأخبار ، وإن شئت فانظر إلى كلام الشيخ في التهذيب في وجه الاحتجاج بالروايتين ، قائلا : « وليس لأحد أن يقول : كيف عملتم على أربعين دلوا في السنّور والكلب وشبههما ، وفي الدجاجة والطير على سبع دلاء ، وفي هذين الخبرين ليس القطع إلى أربعين دلوا ، بل إنّما يتضمّن على جهة التخيير ، وهلّا عملتم بغير هذين الخبرين ممّا يتضمّن نقصان ما ذهبتم إليه؟ لأنّا إذا عملنا على ما ذكرناه من نزح أربعين دلوا ممّا وقع فيه الكلب وشبهه ، و [نزح] سبع دلاء ممّا وقع فيه الدجاج وشبهه ، فلا خلاف بين أصحابنا في جواز استعمال ما بقي من الماء ، ويكون أيضا الأخبار تتضمّن الأقلّ من ذلك داخلة في جملته ، وإذا عملنا على غير ذلك نكون دافعين لهذين الخبرين جملة وصائرين إلى المختلف فيه ، فلأجل هذا عملنا على نهاية ما وردت به الأخبار » (١).
واعتذر بمثل ذلك في الاستبصار (٢) ، وأضاف فيه التعليل : بأنّ العمل بالخبرين ممّا يوجب العلم بزوال النجاسة ، ولا يحصل مع العمل على غيرهما ، وعلى هذا فيظهر ثمرة الاستدلال بالخبرين في نفي اعتبار ما زاد على أربعين ، لأنّه أقصى ما ورد به النصّ ، وحينئذ فلا إشكال ظاهرا.
نعم ، يبقى الكلام في جواز الاعتماد على الرواية الثانية باعتبار سنده الّذي هو بنفسه ضعيف بواسطة القاسم بن محمّد ، وعليّ بن أبي حمزة ، ولذا وصفه في المنتهى (٣) بالضعف تعليلا بكون الرجلين واقفيّين ، ولكن الخطب في ذلك بعد ملاحظة انجباره بالشهرة وبعمل من لا يعتمد على أخبار الآحاد كالحلّي (٤) ، مع ما ستعرفه في عليّ ، ممّا يوجب الاطمئنان به ، مع أنّ تعويل الشيخ عليه من أمارات الاعتبار عندهم.
وممّا بيّنّاه من ظاهر دلالة الخبرين ظهر وجه الاختلاف بينهم وبين الصدوق ، فإنّ ظاهره أنّه أخذ بظاهر التخيير من دون التفات إلى احتياط وغيره ، مع ظهور كون مستنده الموثّقة أو ما هو نظيرها في الاقتصار على ما يشمل الكلب والسنّور ، لكنّه مع
__________________
(١) التهذيب ١ : ٢٣٦ الحديث ٦٨١.
(٢) الاستبصار ١ : ٣٧.
(٣) منتهى المطلب ١ : ٨٣.
(٤) السرائر ١ : ٧٦.