ولو سلّم أنّ التخصيص بنوعه أرجح من المجاز لا يلزم منه الأرجحيّة في جميع الأشخاص حتّى ما كان منها موهونا بمصادفة خارج كما في المقام ، لما تقدّم من اختلاف الروايات في تقديرات النجاسات حتّى ما كان منها نوعا واحدا ، واختلاف أفراد نوع واحد من النجاسات في مقدار النزح كثرة وقلّة ، مع انتفاء ذلك الاختلاف في غير ماء البئر ممّا يتنجّس بملاقاة النجاسة.
سلّمنا لكن يمكن التفصّي عنهما معا وإن استلزم القول بوجوب النزح تعبّدا ، نظرا إلى أنّ النجاسة في مفاد تلك الأوامر ليست من مقتضي الوضع اللغوي ولا العرفي الثابت على خلاف اللغة ، وإنّما هو لازم عرفي أو شرعي علم أو ظنّ به في غير المقام بملاحظة طريقته في الأوامر الواردة في المياه وغيرها ممّا يغسل ويتطهّر من الأواني والثياب وغيرها ، فغايته أنّه ظهور خارجي ثبت في الأوامر بالعرض ، وجعل الضرورة وغيرها بالقياس إلى حكم المتساقط قرينة على الخروج عن هذا الظاهر من جهة التخصيص ليس بأولى من جعلها كاشفة عن عدم اعتبار ذلك الظاهر رأسا في خصوص المقام.
وعلى أيّ حال كان فالعفوّ عن المتساقط بالقيد المتقدّم بناء على التنجيس ثابت لا شبهة فيه ، وبعض ما تقدّم في عبارة الحاشية موضع [منع] ؛ وما ادّعاه من تبادر الصحّة حتّى بالنسبة إلى خرق ومزق وثقبة لا يسلم عنها الدلاء غالبا غير مسلّم ، والعبرة بما هو الغالب والمعتاد.
ثمّ إنّ العفو عن المتساقط كما هو ثابت بالقياس إلى ماء البئر فكذلك ثابت بالقياس إلى جوانب البئر وجوانبها وطينتها فيما لو فرض السقوط عليها ، كما يتّفق في نزح الجميع.
وممّن صرّح بذلك العلّامة في المنتهى ، قائلا : « لا تنجس جوانب البئر بما يصبّها من المنزوح ، للمشقّة المنفيّة » (١). وتنزيل ما تقدّم عن الدروس (٢) إلى هذا المعنى ، كما احتمله الشارح فخدشه : « بأنّ هذا الحكم وإن لم يستبعد في الجدران ، لكن لا معنى له في الحماة » (٣) وهي الطينة ، في غاية البعد من هذه العبارة ، وإنّما هي ظاهرة في العفو بالمعنى المراد بالنسبة إلى المتساقط ، وهو أنّ الجدران والطينة وإن كانت نجسة بملاقاة
__________________
(١) منتهى المطلب ١ : ١٠٥.
(٢) الدروس الشرعيّة ١ : ١٢١.
(٣) مشارق الشموس : ٢٤٤.