« لا يخفى على من فكّ رقبته عن ربقة التقليد أنّ هذه الأخبار وما يجري مجراها صريحة في عدم تعدّي النجاسة من المتنجّس إلى شيء قبل تطهيره وإن كان رطبا إذا ازيل عنه عين النجاسة بالتمسّح ونحوه ، وإنّما المنجّس للشيء عين النجاسة لا غير ، على أنّا لا نحتاج إلى دليل في ذلك ، فإنّ عدم الدليل على وجوب الغسل دليل على عدم الوجوب ، إذ لا تكليف إلّا بعد البيان » (١) مقطوع بفساده.
وقد يستدلّ على هذا الأصل بقوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٢) ، ويؤيّد ذلك بفهم الغنية (٣) حيث استدلّ به على انفعال القليل بملاقاة النجاسة ، وقد تقدّم منّا ما يخدشه في صدر الباب.
وقد يستدلّ أيضا (٤) بما دلّ على وجوب الاجتناب عن النجاسات ، بتوهّم : أنّه يستفاد منه وجوب الاجتناب عمّا يلاقيها ، ويجعل من أجل هذه الاستفادة عدّ الإمام عليهالسلام من ارتكب الطعام الملاقي للميتة مخالفة للشارع في تحريمه لها ، كما نطق به خبر جابر عن أبي جعفر عليهالسلام قال : أتاه رجل فقال له : وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت ، فما ترى في أكله؟ قال : فقال له أبو جعفر عليهالسلام : « لا تأكله » ، فقال له الرجل : الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها ، قال : فقال له أبو جعفر عليهالسلام : « إنّك لم تستخفّ بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ، أنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء » (٥).
فإنّ أكل الطعام المذكور لا يكون استخفافا لحكم الشارع بحرمة الميتة ، يعني نجاستها إلّا من جهة ما هو المركوز في الأذهان من استلزام نجاسة الشيء لنجاسة ما يلاقيه.
وفيه : نوع تأمّل ، والعمدة أصل القاعدة وهي ثابتة جدّا لوضوح مدركها للمتتبّع ، ويستفاد من كلام الفقهاء أيضا تسالمهم عليها ، وإليها يرجع استدلال المعتبر ـ على ما حكي عنه ـ على نجاسة المضاف وإن كثر بالملاقاة : « بأنّ المائع قابل للنجاسة ، والنجاسة موجبة لنجاسة ما لاقته ، فيظهر حكمها عند الملاقاة ، ثمّ تسري النجاسة بممازجة المائع بعضه بعضا » (٦).
__________________
(١) الوافي ٤ : ١٥٠ ـ لاحظ مفاتيح الشرائع ١ : ٧٥.
(٢) المدّثر : ٥.
(٣) غنية النزوع ١ : ٤٢.
(٤) المستدلّ هو الشيخ الأنصاري رحمهالله في كتاب الطهارة ١ : ٢٩٩.
(٥) الوسائل ١ : ٢٠٦ ب ٥ من أبواب الماء المضاف ، ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٤٢٠ / ١٣٢٧.
(٦) المعتبر : ٢١.