ببقاء المطلق على الطهارة لا بدّ وأن يستند إلى أدلّة عدم انفعال الكثير بملاقاة النجاسة ، وشمول تلك الأدلّة لمثل المقام محلّ تأمّل ، بل مقطوع بعدمه عند التحقيق ، وذلك لأنّها لا تثمر في المقام إلّا بعد إحراز الملازمة المذكورة ، وقد تبيّن في مباحث تطهير المطلق المتنجّس أنّ تلك الملازمة منوطة بصدق الوحدة الحقيقيّة على المتخالطين ، ولا ريب أنّها لا تتأتّى إلّا بعد الامتزاج الكلّي بينهما ، وكما أنّ الامتزاج بحصوله هنا علّة لتحقّق الوحدة فكذلك علّة لحدوث الإضافة في المطلق على وجه كلّي ، فالوحدة حين حدوثها مقارنة لوصف الإضافة في الجميع ، فالجميع ماء مضاف حين هو واحد ، فلا يقع مع ذلك مشمولا لأدلّة عدم انفعال الكثير ، لكون تلك الأدلّة واردة في الماء ، والمفروض حين ما هو واحد ليس بماء ، بل هو عند حدوث وصفي الوحدة والإضافة مضاف ملاق للمضاف المتنجّس ، ومعه يجب القطع بنجاسة الجميع.
أمّا نجاسة المضاف الأوّل : فلعدم تحقّق رافع لنجاسته قطعا.
وأمّا نجاسة المضاف الثاني : فلملاقاته المتنجّس.
وممّا بيّنّا تبيّن : أنّه لا محلّ للاستصحاب هنا لا في جانب المضاف الأوّل ولا في جانب المضاف الثاني ، أمّا الأوّل : فلانتفاء الشكّ اللاحق ، وأمّا الثاني : فلانقلاب الموضوع كما لا يخفى ، بناء على أنّ الموضوع هو العنوان الغير الباقي لا مصداقه الباقي.
فالحق إذا قول الشيخ وتابعيه ، من غير فرق في ذلك بين ما لو القي المضاف في المطلق أو انعكس الأمر ، وإن قيل : بأنّ موضع النزاع هو الأوّل دون الثاني ، كما عن جماعة من أصحابنا كجامع المقاصد (١) ، وكاشف اللثام (٢) ، والمعالم (٣) ، قائلين بأنّ صورة العكس يجب فيها الحكم بعدم الطهارة جزما ، لأنّ مكان المضاف ـ أي محلّه ـ متنجّس به ، وهو ما لم يصر مطلقا لا يطهّره ، وملاقاته له مستمرّة فيردّه على النجاسة لو فرضنا طهارته ، وقد سبق منّا ما يصحّح هذا الكلام ويزيّفه.
وثالثها : اعتبار عدم تغيّر أحد أوصاف المطلق باختلاطه مع المضاف المتنجّس وعدمه ، والمصرّح بالاعتبار هو الشيخ (٤) على ما عرفت في عبارته المتقدّمة ، وبعده
__________________
(١) جامع المقاصد ١ : ١٢٥.
(٢) كشف اللثام ١ : ٢٩١.
(٣) فقه المعالم ١ : ٤٣٤.
(٤) المبسوط ١ : ٥.