وتقدير المخالفة بالمعنى المذكور رافع للمانع ، فخلافه أعلى الله مقاماته إنّما هو في صغرى العمل بالاصول لا في كبراه.
وممّا بيّنّاه ظهر أنّ ما ذكره شارح الدروس في ردّ كلام العلّامة من « أنّ ما اختاره العلّامة من التقدير أمر لا مستند له أصلا لا شرعا ولا عقلا ، وهل هو إلّا مثل ما يقال ـ فيما إذا جاور مضاف مطلقا ولم يخالطه ـ : أنّه يقدّر بأنّه لو خالطه هل يخرجه عن الإطلاق أم لا؟ كيف وبناء الأحكام على الأسماء ، فإذا أمر بالماء وفرض أنّه يصدق على شيء بالفعل أنّه ماء فلا شكّ أنّه يجوز الطهارة به إلى آخره » (١) أجنبيّ عن هذا المقام بالمرّة ، فإنّ العلّامة أو غيره لا ينكر كون بناء الأحكام على الأسماء ، بل الداعي إلى اعتباره التقدير إنّما هو هذه المقدّمة ، لأنّه يرى استعلام الاسم متوقّفا على التقدير المذكور ، وأنّ بدونه لم يتبيّن الاسم ليرتّب عليه الحكم.
وتنظير مورد كلامه بما ذكره من المثال ليس على ما ينبغي ، بل هو بالقياس إلى العلّامة وأحزابه سوء أدب جزما ، كيف ولا اشتباه فيما ذكره ومعه لا داعي إلى اعتبار التقدير وإلّا يؤدّي إلى السفه ، بخلاف المقام الّذي هو مورد كلام العلّامة ، فإنّه مقام الاشتباه والصدق العرفي لأحد الاسمين بدون الطريق المذكور وما يجري مجراه مجهول ، لا علينا فقط بل على العرف أيضا ، فإنّ الاشتباه حاصل لأهل العرف ، فإنّهم يتوقّفون في إطلاق أحد الاسمين حتّى يرتفع الاشتباه.
فما ذكر من أنّه إذا أمر بالماء وفرض أنّه يصدق بالفعل على شيء أنّه ماء فلا شكّ أنّه يجوز الطهارة به حقّ ، لكن المقام ليس منه ، إذ لا صدق للاسم بالفعل ما دام الاشتباه باقيا ، هذا إذا كان العبرة بصدقه عند العالمين بالحال والمطّلعين على الاختلاط المفروض في محلّ المقال ، وأمّا إذا كان النظر إلى صدقه عند الجاهلين الغير المطّلعين على حقيقة الحال فالصدق عندهم ما دام الجهل وإن كان مسلّما لكنّه لا عبرة به أصلا ، وإلّا فهذا الصدق حاصل عندهم في المضاف الخالص المسلوب عنه الصفات كماء الورد المنقطع الرائحة ، فإنّه بحيث لو رآه كلّ من لا يعلم بأصله يحكم عليه بأنّه ماء ، ويرتّب عليه أحكام الماء ، فيجب متابعته والأخذ بقضيّة الصدق عنده ، وأنّه باطل
__________________
(١) مشارق الشموس : ٢٦١.