بديهة ، وليس الاكتفاء بالصدق عند الجاهلين بالحال مع تحقّق علمنا بالحال إلّا كالاكتفاء بصدق اسم الماء على ما نعلم كونه خمرا عند من يجهله ، فيجوز شربه واستعماله في كلّ مشروط بالمطلق الطاهر وهذا كما ترى.
ونظير المقام ما لو كان هناك ماء نعلم بأنّ له حالة سابقة وهي النجاسة ووجده من لا يعلم له بهذه الحالة ، فإنّه حينئذ بمقتضى الأصل المقرّر للجاهل الابتدائي يبني على الطهارة ويرتّب عليه أحكامها ، وليس لنا ذلك اتّباعا له بل تكليفنا البناء على النجاسة عملا بالاستصحاب.
وبالجملة : ما ذكره رحمهالله من الاعتراض في غاية الضعف والسقوط ، ولنرجع إلى تحقيق المسألة.
فنقول : إنّ ملاحظة ما نقل من كلماتهم تعطي كون الكلام في حالة الضرورة والاضطرار إلى استعمال هذا الشيء الحاصل بالاختلاط ، وإلّا لم يكن للحكم على كون الجمع بين الاستعمال والتيمّم أحوط معنى كما لا يخفى.
ومن هنا يتبيّن أنّه ليس شيء من الأصلين المتمسّك بهما في كلامي الشيخ وابن البرّاج في محلّه ، أمّا ما تمسّك به الشيخ فليس المقام من مواضع اشتباه التكليف المحتمل للحرمة حتّى يرجع فيه إلى أصل الإباحة ، بل الاشتباه إنّما هو باعتبار الوضع وهو صحّة هذا الاستعمال وترتّب الآثار الشرعيّة عليه من زوال نجاسة أو ارتفاع حدث ، وأصل الإباحة لا ينفع في ذلك شيئا ، بل المقام في موارد الاستصحاب القاضي هنا ببقاء كلّ من النجاسة والحدث ، والحرمة التشريعيّة الّتي تتأتّى في استعمال المضاف مع العلم بإضافته في التطهيرات لا تتأتّى هنا أيضا ، لأنّه لا يستعمله على أنّه مضاف وإنّما يستعمله لرجاء كونه مطلقا.
وأمّا ما تمسّك به ابن البرّاج فلأنّ الاحتياط المذكور يعارضه الاحتياط المقتضي للاستعمال ، وذلك لأنّ المقام لكونه مقام ضرورة بالنسبة إلى استعمال ذلك فالأمر دائر بين التكليف بالمائيّة والتكليف بالترابيّة ، لأنّ الأوّل مشروط بوجدان الماء والثاني مشروط بفقدانه ، ولا ريب أنّ الشكّ في الشرط يستلزم الشكّ في المشروط ، فكما أنّ الاقتصار على استعمال هذا الشيء خلاف الاحتياط لاحتمال كونه في الواقع مضافا ،