استصحاب الطهارة وأصلها المستفاد من عمومات الآيات والروايات مع فقد ما يوجب الخروج عنهما.
إلّا أن يراد بالنجاسة ما هو من أحكامها الّتي منها منع الشرب والوضوء لا نفس الصفة المقتضية لتلك الأحكام ، حتّى يقال : بأنّها عرضيّة لا بدّ لها من منشأ وليس إلّا نجاسة ذي السؤر وقد فرض خلافه ، فيردّه : الأصلان المذكوران السليمان عمّا يصلح للمعارضة ، والمرسلة المتقدّم إليها الإشارة قد تبيّن حالها.
واحتمال كون ذلك كاغتسال الجنب في البئر المحكوم عليه كونه سببا للنزح ولا سبب له إلّا النجاسة وإن فرض خلوّ بدنه عنها ، مردود من جهات شتّى ، من منع الحكم في المقيس عليه ، لابتناء أحكام البئر على الندب والاستحباب بناء على التحقيق.
ولو سلّم الحتم فهو ليس إلّا تعبّدا صرفا كما عليه جماعة ، فلا فرق فيه بين وقوع النجس أو الطاهر ، لكون الحكم حينئذ منوطا بمجرّد التعبّد لا لعروض صفة النجاسة لماء البئر.
ولو سلّم كون بدن الجنب مع فرض طهارته موجبا لنجاسة الماء فهي نجاسة حكميّة لا حقيقيّة ، ومع ذلك لا يلزم من ثبوتها ثمّة ثبوتها هنا إلّا قياسا وهو باطل.
وبجميع ما ذكر تبيّن ضعف ما عرفته عن الشيخ في كتبه (١) ، وعن المهذّب (٢) أيضا ، سواء أراد بالمنع ما هو كذلك تعبّدا ، أو ملزومه من النجاسة كما هو الأظهر ، بملاحظة ما في كلامه في الاستبصار (٣) من جعله الجواز فيما استثناه من باب العفو ، لأجل كون التحرّز عن ذلك ممّا يشقّ على الإنسان.
هذا مع ضعف مستنده الّذي هو موثّقة عمّار الساباطي (٤) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سئل عن ماء يشرب منه الحمام؟ فقال : « كلّ ما اكل لحمه يتوضّأ من سؤره ويشرب » ، وعن ماء يشرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب؟ فقال : « كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره شيئا فلا تتوضّأ منه ولا تشرب » (٥).
__________________
(١) المبسوط ١ : ١٠.
(٢) المهذّب ١ : ٢٥.
(٣) الاستبصار ١ : ٢٥.
(٤) وهو عمّار بن موسى الساباطي.
(٥) الوسائل ١ : ٢٣٠ ب ٤ من أبواب الأسآر ح ٢ ـ التهذيب ١ : ٢٢٨ / ٦٦٠.