وكأنّه إلى ذلك ينظر ما تقدّم عن المدارك (١) من الاستناد إلى عدم ثبوت التعبّد بغسل النجاسة عنه ، لما استحسنه من طهارة الحيوان غير الآدمي بمجرّد زوال العين ، كما أنّ الأصل الّذي اعتمد عليه ـ مع ما ذكر ـ أمكن رجوعه إلى ما قرّرناه.
ويوافقه في منع ثبوت التعبّد بالغسل ما نقل عن المعالم من أنّه « لو فرضنا عدم دلالة الأخبار على العموم ، فلا ريب أنّ الحكم بتوقّف الطهارة في مثلها على التطهير المعهود شرعا منفيّ قطعا ، والواسطة بين ذلك وبين زوال العين يتوقّف على الدليل ، ولا دليل » (٢)
فإنّ مراده بالعموم في فرض عدم دلالة الأخبار عليه عموم الحكم بالطهارة لمجرّد زوال العين في سائر الحيوانات ، وما نفاه من الدليل على وجود الواسطة مرجعه إلى إنكار ثبوت القاعدة المشار إليها على جهة العموم.
فما يقال في دفعه : من أنّ النظر في أخبار النجاسات يقضي بثبوت قاعدتين.
الاولى : أنّها تنجّس كلّ ما تلاقيه ، ومثلها المتنجّسات.
والثانية : أنّ كلّ متنجّس لا يطهّر إلّا بالغسل بالماء ، بل يكفي في الثانية الاستصحاب ، ولو لا هما لثبت الإشكال في كثير من المقامات ، ليس على ما ينبغي ، فإنّ ثبوت القاعدة الاولى على الإطلاق في حيّز المنع ، ومعه دعوى عدم ثبوت التعبّد بالغسل وعدم ثبوت الواسطة بين طهارة الحيوانات وبين زوال عين النجاسات عنها متّجهة ، كما أنّ التمسّك بالأصل ـ حسبما قرّرناه ـ ممّا لا مانع عنه من معارض اجتهادي أو فقاهي ، فلا يكون الحكم بالطهارة لمجرّد الزوال بالمعنى المتقدّم واردا على خلاف أصل ولا قاعدة.
فاندفع بذلك ما قيل أيضا : « من أنّ هذا الحكم مخالف لإحدى قواعد اقتضتها العمومات.
إحداها : قاعدة تنجيس النجاسات [العينيّة] لما يلاقيها حتّى أجسام الحيوانات.
الثانية : عدم زوال نجاسة المتنجّس ولو كان جسم حيوان بمجرّد زوال عين النجاسة عنه.
الثالثة : تنجيس المتنجّس ولو كان جسم حيوان لما يلاقيه من المياه وغيرها.
الرابعة : أنّ النجاسة إذا ثبتت في محلّ فهي مستصحبة.
__________________
(١) مدارك الأحكام ١ : ١٣٤.
(٢) فقه المعالم ١ : ٣٦٨.