الخامسة : أنّ استصحاب نجاسة الشيء حاكم على استصحاب طهارة ملاقيه.
إلى أن قيل : ثمّ الأولى إخراج المقام من القاعدة الثانية (١) لأصالة بقاء الأوّلين على عمومهما ، ولا يرد ذلك في الثالثة لأنّ مستندها راجع إلى الاستصحاب ، فيصلح أخبار الباب للورود عليه بجعل زوال العين من جملة المطهّرات ، فلا يلزم من ذلك طرح الاستصحاب كما لا يخفى » (٢).
فإنّ القاعدة الاولى إذا لم تكن متناولة للمقام فالقواعد الاخر كلّها مسلّمة في مجاريها والمقام ليست منها ، فلا مخالفة فيه لشيء منها ، وأخبار الباب لو صلحت دليلا على المقام لم تكن مخرجة عن شيء من تلك القواعد ، ولا مخصّصة لقاعدة انفعال القليل بملاقاة كلّ من النجس والمتنجّس.
ومن هنا يعلم الوجه في استثناء صورة وجود عين النجاسة ، فإنّه في الحقيقة عمل على عموم قاعدة الانفعال ، لاستناد الانفعال حينئذ إلى عين النجاسة ، فإذا زالت العين خرج المقام من جهة الأصل المذكور عن كونه من موارد تلك القاعدة ، إذ لا نجس حينئذ بحكم الفرض ولا متنجّس بحكم الأصل ، ثمّ إنّ في بعض فقرات الكلام المذكور أيضا نظرا يظهر بالتأمّل.
وبجميع ما ذكر انقدح أنّ الزوال في محلّ الكلام الموجب لطهارة المحلّ ـ بالمعنى المختار ـ أعمّ من الجفاف ، فيما إذا كانت النجاسة من قبيل الماء وإن أفادت خشونة أو ثخنا لما كانت عليه ، فإنّ مرجع الزوال ـ على ما بيّنّاه ـ إلى ارتفاع المانع ، وهذا يتحقّق مع الجفاف في المائع الخالي عن العين الّتي يبقى بعد الجفاف ، كما في الدم والمنيّ ، إلّا أن لا يصدق الزوال عرفا مع ما فرض حدوثه من الخشونة أو الثخونة.
فما عن الشهيد في الذكرى من الاعتراض على الشيخ والمحقّق فيما حكى عنهما في مسألة ما لو طارت الذبابة عن النجاسة إلى الثوب أو الماء ـ من : « أنّه عند الشيخ
__________________
(١) وفي النسخة المطبوعة من طهارة الشيخ : « الثالثة » بدل « الثانية » ، ولا يخفى أنّ ما في المتن هو الصواب بالنظر إلى مقتضى التعليل الّذي ذكره ، ولكن لا يناسبه قوله بعدها : « لأصالة بقاء الأوّلين على عمومهما » اللهم إلّا أن يقال : بحصول التقدّم والتأخّر فيما تقدّم فلاحظ وتأمّل.
(٢) القائل هو الشيخ الأنصاري رحمهالله ـ انظر كتاب الطهارة ١ : ٣٧٧.