لكن يبقى الكلام في صحّة دعوى التبادر العرفي ولعلّها غير ثابتة.
وبالجملة مبنى الإشكال على دخول الظنّ في مفهومي « المأمونة » و « المتّهمة » لغة ، وقضيّة ذلك كون نقيض كلّ ـ وهو ما لا ظنّ فيه ـ أعمّ من عين الآخر.
نعم ، لو قدرت « المأمونة » الواردة في الروايات مأخوذة من « الأمن » بمعنى السلامة والحفظ والخلوص عن النجاسة ليكون أمرا واقعيّا من غير مدخليّة للعلم أو الظنّ فيه إلّا من باب الطريقيّة ، أمكن القول بدخول المجهولة بحسب الواقع إمّا في « المأمونة » أو في نقيضها ، فلا يحكم عليها بحسب الواقع بشيء من الكراهة والعدم ، وإن وجب الحكم في الظاهر بعدمها استصحابا للحالة السابقة.
ولعلّه إلى ذلك يرجع ما قيل : من أنّا نمنع أخذ الظنّ في المأمونة ، بل المراد منها المتحفّظة عن النجاسة واقعا ، فتارة يظنّ وتارة يقطع ، وغير المأمونة غير المتحفظة في الواقع ، وعلى كلّ حال فمجهولة الحال لا يحكم عليها بشيء وإن كان الواقع لا يخلو منهما ، كما يرشد إليه قول ابن إدريس في السرائر : « أنّ المتّهمة الّتي لا تتوقّى عن النجاسات » (١) وقول أبي عبد الله عليهالسلام : « أنّ سؤر الحائض لا بأس [به] أن يتوضّأ منه إذا كانت تغسل يديها » (٢).
لكنّه كما ترى لا يجدي نفعا في إصلاح التعبير بالمتّهمة عن غير المأمونة ، بل قضيّة هذا التوجيه إناطة الكراهة وجودا وعدما بموضع القطع بالتحفّظ والخلوص عن النجاسة وعدمه ، لا لأنّ القطع له مدخليّة في موضوع الحكمين ، بل لأنّه هو الطريق الموصل إلى الواقع على حدّ ما هو في سائر الموضوعات ، فيلزم أن لا يحكم في الّتي ظنّ تحفّظها والّتي ظنّ عدم تحفّظها ـ وهي المتّهمة ـ والّتي شكّ في حالها بشيء من الكراهة والعدم في الواقع ، وإن قضى الظاهر بالحكم بعدمها حتّى في المتّهمة أيضا.
لكن هذا بناء على الاقتصار في العمل على الروايات المقيّدة بالمأمونة ، وأمّا بناء على العمل بالروايات الناهية على الإطلاق وأخذ الروايات المقيّدة مخصّصة لها ـ على ما هو مبنى الجمع بينهما ـ اتّجه الحكم بالكراهة في جميع الأقسام الثلاث المذكورة ، إذ لم يعلم بملاحظة المخصّص إلّا خروج المأمونة عنها ، وهي الّتي علم أمانتها في الواقع.
__________________
(١) السرائر ١ : ٦٢.
(٢) الوسائل ١ : ٢٣٨ ب ٨ من أبواب الأسآر ح ٩.